[ ص: 316 ] ( وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز ) لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما وينفذ حكمه عليهما ، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم لأنه بمنزلة القاضي فيما بينهما فيشترط أهلية القضاء ، ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي لانعدام أهلية القضاء اعتبارا بأهلية الشهادة والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى [ ص: 317 ] ( ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما ) لأنه مقلد من جهتهما فلا يحكم إلا برضاهما جميعا ( وإذا حكم لزمهما ) لصدور حكمه عن ولاية عليهما ( وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه ) لأنه لا فائدة في نقضه ثم في إبرامه على ذلك الوجه ( وإن خالفه أبطله ) لأن حكمه لا يلزمه لعدم التحكيم منه .
( باب التحكيم )
هذا أيضا من فروع القضاء ، والمحكم أحط رتبة من القاضي ، فإن القاضي يقضي فيما لا يقضي المحكم فأخره عنه ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : إنه لا يجوز تعليق التحكيم بالشرط وإضافته ، بخلاف القضاء لأن حكمه بمنزلة الإصلاح والواقع منه كالصلح ، أو هو صلح من وجه فلا يكون مثله بالشك . والتحكيم جائز بالكتاب قوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله } الآية ، وفيه نظر .
وأما السنة فما { nindex.php?page=hadith&LINKID=84363قال أبو شريح يا رسول الله إن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما أحسن هذا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي وأجمع على أنه صلى الله عليه وسلم عمل بحكم nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ في بني قريظة لما اتفقت اليهود على الرضا بحكمه فيهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروي أنه كان بين nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب منازعة في نخل فحكما بينهما nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت فأتياه فخرج nindex.php?page=showalam&ids=138زيد وقال nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر : هلا بعثت إلي فآتيك يا أمير المؤمنين ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : في بيته يؤتى الحكم ، فدخلا بيته فألقى nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر وسادة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : هذا أول جورك فكانت اليمين على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=47زيد nindex.php?page=showalam&ids=34لأبي : لو أعفيت أمير المؤمنين ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : يمين لزمتني ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=34أبي : نعفي أمير المؤمنين ونصدقه ، وليعلم أنه لا يظن بأحد منهما في هذه الخصومة التلبيس ، وإنما هي لاشتباه الحادثة عليهما فتقدما إلى الحكم للتبيين لا للتلبيس . وفي الحديث جواز التحكيم وأن nindex.php?page=showalam&ids=47زيدا كان معروفا بالفقه . وقد روي أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما كان يختلف إليه ويأخذ بركابه عند ركوبه ، وقال هكذا أمرنا أن نصنع بفقهائنا ، فقبل nindex.php?page=showalam&ids=47زيد يده وقال : هكذا أمرنا أن نصنع بأشرافنا . وفيه أن الإمام لا يكون قاضيا في حق نفسه ، وأنه ينبغي أن من احتاج إلى العلم يأتي إلى العالم في بيته ولا يبعث إليه ليأتيه وإن كان أوجه الناس . وأما إلقاء nindex.php?page=showalam&ids=47زيد الوسادة فاجتهاد من قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=76109إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه } { وبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداء nindex.php?page=showalam&ids=76لعدي بن حاتم } ، وأن الخليفة ليس كغيره ، واجتهاد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على تخصيص هذه الحالة من عموم الأول ، وأنه لا بأس بالحلف صادقا ، وامتناع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان عن اليمين حين لزمته كان لأمر آخر ، وأن [ ص: 316 ] اليمين حق المدعي له أن يستوفيها ويسقط بإسقاطه .
( قوله وإذا حكم رجلان رجلا ) أو امرأة ( فحكم بينهما ورضيا بحكمه ) إلى أن حكم ( جاز لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما ) وسنذكر لهذا تخصيصات : أولها قوله ( وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم ) بأن يكون أهلا للشهادة ( فلا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي ) إلا أن يحكمه ذميان لأنه من أهل الشهادة عليهم فهو من أهل الحكم عليهم ( و ) كذلك ( المحدود في القذف والفاسق ) لا يجوز تحكيم أحد من هؤلاء ( لعدم أهلية القضاء لعدم أهلية الشهادة . والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى ) الفاسق ينفذ حكمه . وقوله ( وينفذ حكمه عليهما ) عطف على جواب المسألة : أعني قوله جاز ، وهذه شروط التحكيم فقدمناها على الجواب ، ولو قدم المجرور فقال وعليهما ينفذ حكمه كان مفيدا للحصر فيفيد أنه [ ص: 317 ] لا ينفذ على غيرهما ، فلو حكماه في عيب بالمبيع فقضى برده ليس للبائع أن يرده على بائعه إلا أن يتراضى البائع الأول والثاني والمشتري على تحكيمه فحينئذ يرده على الأول ، ولو اختصم الوكيل بالبيع مع المشتري منه في العيب فحكم برده على الوكيل لم يلزم الموكل إذا كان العيب يحدث مثله رواية واحدة إلا أن يرضى الموكل بتحكيمه معهما . وإن كان العيب لا يحدث مثله ولم يدخل الموكل معهم في التحكيم ففي لزومه للموكل روايتان ، وإنما اقتصر حكمه ولم يتعد لأنه كالمصالح . ثم تشترط هذه وقت التحكيم ووقت القضاء جميعا حتى لو حكما عبدا فعتق أو صبيا أو ذميا فبلغ وأسلم ثم حكم لا ينفذ كما في المقلد ، وكذا لو كان مسلما وقت التحكيم ثم ارتد لا ينفذ حكمه ثم الإضافات في قوله ولا يجوز تحكيم العبد إلخ من إضافة المصدر إلى المفعول ، ولو اعتبرت إلى الفاعل جاز في بعضها دون بعض . وفي المغني : يجوز تحكيم المكاتب والعبد المأذون كالحر ، وتحكيم الذمي ذميا ليحكم بينه وبين ذمي يجوز لما ذكرنا .
( قوله ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما لأنه مقلد من جهتهما ) إذ هما الموليان له فلهما عزله قبل أن يحكم كما أن للسلطان أن يعزل القاضي قبل أن يحكم ولو حكم قبل عزله نفذ وعزله بعد ذلك لا يبطله فكذا هذا ( وإذا نفذ حكمه لزمهما لصدور حكمه عن ولاية كاملة عليهما ) فقط لأنه لا يكون دون الصلح وبعدما تم الصلح ليس لواحد أن يرجع .
( قوله وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه لأنه لا فائدة في نقضه ثم إبرامه على ذلك الوجه ) بعينه ( وإن خالفه أبطله ) وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى : هو كالمقلد فلا يبطله إلا أن يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم ، ونحن فرقنا بأن ولاية القاضي عامة على الناس لعموم ولاية الخليفة المقلد له ، بخلاف الموليين له إنما لهما ولاية على أنفسهما فقط لا على القاضي فلا يلزم حكمه القاضي لأنه لم يحكمه ، ولأن تقليدهما إياه بمنزلة اصطلاحهما على شيء في المجتهدات كان للقاضي أن يبطله أو ينفذه فكذا هذا ، وهذا يبين لك أن المراد من قوله وإن خالفه أبطله ليس ما يعفيه ظاهره من لزوم إبطال القاضي إياه بل جواز [ ص: 318 ] أن يبطله وأن ينفذه . وعبارة المبسوط بعد أن ذكر الوجه فلا يجب تنفيذ حكمه على القاضي .