قال ( وإذا وكل وكيلين ) ( فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر ) وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك [ ص: 96 ] لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما ، والبدل وإن كان مقدرا ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري . قال ( إلا أن يوكلهما بالخصومة ) لأن الاجتماع فيها متعذر للإفضاء إلى الشغب في مجلس القضاء والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة
[ ص: 95 ] فصل )
لما ذكر حكم وكالة الواحد ذكر في هذا الفصل حكم وكالة الاثنين لما أن الاثنين بعد الواحد فكذلك حكمهما ، كذا في الشروح . قال في غاية البيان بعد ذكر هذا الوجه : ولكن مع هذا لم يكن لذكر الفصل كبير حاجة ، إلا أن يقال : يفهم هنا شيء آخر غير الوكالة بالبيع وهو الوكالة بالخلع والطلاق والتزويج والكتابة والإعتاق والإجارة ، وهذا حسن انتهى ( وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر ) هذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره . اعلم أن هذا الحكم فيما إذا وكلهما بكلام واحد بأن قال وكلتهما ببيع عبدي أو بخلع امرأتي ، وأما إذا وكلهما بكلامين كان لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف كما صرح به في المبسوط حيث قال في باب الوكالة بالبيع والشراء : وإذا وكل رجلا ببيع عبده ووكل آخر به أيضا فأيهما باع جاز لأنه رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد حيث وكله ببيعه وحده ، بخلاف الوصيين إذا أوصى إلى كل واحد منهما في عقد على حدة حيث لا ينفرد واحد منهما بالتصرف في أصح القولين لأن وجوب الوصية بالموت ، وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة ، وهاهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل ، فإذا أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل واحد منهما بالتصرف انتهى . قال المصنف ( وهذا ) أي الحكم المذكور في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري وهو عدم جواز تصرف أحد الوكيلين بدون الآخر ( في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك ) أقول : فيه شيء .
وهو أنه لو كان هذا الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره مقيدا بتصرف يحتاج فيه إلى الرأي لما احتاج إلى استثناء أمور أربعة من الأمور الخمسة التي استثنى التوكيل بها من الحكم المذكور ، وهي ما سوى الخصومة لأنها مما لا يحتاج فيه إلى الرأي كما سيأتي التصريح به من المصنف ، ومع ذلك لما تمم الجمع بين تلك الأمور الخمسة في الاستثناء بكلمة واحدة ، لأن الاستثناء يصير حينئذ متصلا بالنظر إلى التوكيل بالخصومة ومنقطعا بالنظر إلى التوكيل بما سواها ، وقد تقرر في كتب الأصول أن صيغة الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع ، فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فالأظهر أن كلام nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري هاهنا مطلق ، وبعد الاستثناء الآتي يخرج منه ما لا يحتاج فيه إلى الرأي ، وما يحتاج فيه إلى الرأي ولكن يتعذر الاجتماع عليه كالخصومة ويصير الاستثناء متصلا بالنظر إلى الكل فينتظم المقام ويتضح المرام . فإن قلت : ليس مراد المصنف أن كلام nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري هاهنا مقيد بما ذكره المصنف قبل دخول الاستثناء عليه [ ص: 96 ] حتى يرد عليه ما ذكر ، بل مراده بيان حاصل المعنى بملاحظة دخول الاستثناء الآتي عليه .
قلت : حاصل المعنى هاهنا بملاحظة الاستثناء الآتي أن يكون التوكيل في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي ولا يتعذر الاجتماع عليه ، وهذا أخص مما ذكره المصنف ، فبيان المعنى هاهنا بما ذكره لا يطابق الحاصل من كلام nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري لا قبل الاستثناء ولا بعده فلا يجدي كبير طائل كما لا يخفى . وقال المصنف في تعليل أصل المسألة ( لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما ) إذ لا ينال برأي أحدهما ما ينال برأيهما ، حتى إن رجلا لو وكل رجلين ببيع أو بشراء فباع أحدهما أو اشترى والآخر حاضر لم يجز إلا أن يجيز الآخر ، وفي المنتقى : وكل رجلين ببيع عبده فباعه أحدهم والآخر حاضر فأجاز بيعه جاز ، وإن كان غائبا عنه فأجازه لم يجز في قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، كذا في الذخيرة .
وذكر في المبسوط : لو وكل رجلين ببيع شيء وأحدهما عبد محجور أو صبي لم يجز للآخر أن ينفرد ببيعه لأنه ما رضي ببيعه وحده حين ضم إليه رأي الآخر ، ولو كانا حرين فباع أحدهما والآخر حاضر فأجاز كان جائزا لأن تمام العقد برأيهما ، ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يكن للآخر أن يبيعه وحده لأنه ما رضي برأيه وحده ( والبدل وإن كان مقدرا ) هذا جواب شبهة ، وهي أنه إذا قدر الموكل البدل في البيع ونحوه لا يحتاج إلى الرأي ، فينبغي أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في ذلك كما في التوكيل بالإعتاق بغير عوض ، فأجاب عنها بأن البدل وإن كان مقدرا ( ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري ) يعني أن تقدير البدل إنما يمنع النقصان لا الزيادة ، وربما يزداد الثمن عند اجتماعهما لذكاء أحدهما وهدايته دون الآخر فيحتاج إلى رأيهما من هذه الحيثية ، وكذا يختار أحدهما المشتري الذي يماطل في الثمن دون الآخر فيحتاج إلى ذلك من هذه الحيثية أيضا ( قال ) أي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره ( إلا أن يوكلهما بالخصومة ) هذا استثناء من قوله فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر : يعني أن أحد الوكيلين لا يتصرف بانفراده إلا في الخصومة ، فإنه لو خاصم أحدهما بدون الآخر جاز .
وذكر في الفوائد الظهيرية : فإذا انفرد أحدهما بالخصومة هل يشترط حضور صاحبه في خصومته ؟ بعض مشايخنا قالوا : يشترط ، وعامة مشايخنا على أنه لا يشترط ، وإطلاق nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد يدل على هذا . قال المصنف في تعليل ما في الكتاب ( لأن الاجتماع فيها ) أي في الخصومة ( متعذر للإفضاء إلى الشغب ) الشغب بالتسكين تهييج الشر ، ولا يقال شغب بالتحريك ، كذا في الصحاح ( في مجلس القضاء ) ولا بد من صيانة مجلس القضاء عن الشغب لأن المقصود فيه إظهار الحق وبالشغب لا يحصل ، ولأن فيه ذهاب مهابة مجلس القضاء ، فلما وكلهما بالخصومة مع علمه بتعذر اجتماعهما صار راضيا بخصومة أحدهما ( والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة ) إشارة إلى دفع قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ، فإنه قال : ليس لأحدهما أن يخاصم دون صاحبه لأن الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي [ ص: 97 ] والموكل إنما رضي برأيهما .
وجه الدفع أن المقصود وهو اجتماع الرأيين يحصل في تقويم الخصومة سابقا عليها فيكتفي بذلك