[ ص: 157 ] قال ( ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه وقدره ) [ ص: 158 ] لأن فائدة الدعوى الإلزام بواسطة إقامة الحجة ، والإلزام في المجهول لا يتحقق ( فإن كان عينا في يد المدعى ) عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى ، وكذا في الشهادة والاستحلاف ، لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ، ويتعلق بالدعوى وجوب الحضور ، وعلى هذا القضاة من آخرهم في كل عصر [ ص: 159 ] ووجوب الجواب إذا حضر ليفيد حضوره ولزوم إحضار العين المدعاة لما قلنا واليمين إذا أنكره ، وسنذكره إن شاء الله تعالى
( قال ) أي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره ( ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه ) كالدراهم والدنانير والحنطة وغير ذلك ( وقدره ) مثل كذا وكذا درهما أو دينارا أو كرا .
واعلم أن هذا في دعوى الدين لا في دعوى العين ، فإن العين إذا كانت حاضرة تكفي الإشارة إليها بأن هذه ملك لي ، وإن كانت غائبة يجب أن يذكر قيمتها على ما سيفصل . فإن قلت : عبارة الكتاب لا تدل على التقييد [ ص: 158 ] قلت : نعم ، إلا أن العبارة وقعت كذلك في عامة معتبرات المتون فلعلها بناء على انفهام المراد بها مما يذكر بعدها من تفصيل أحوال دعوى الأعيان ، ومع هذا قد تصدى صدر الشريعة في شرح الوقاية لبيان المراد بها على ما بيناه إيضاحا للمقام . وأما بعض المتأخرين فلما فهموا الخفاء فيها غيروها في متونهم إلى التصريح بكل نوع من الدعاوى على حدة مع بيان شرائطه المخصوصة .
قال المصنف في تعليل المسألة المذكورة ( لأن فائدة الدعوى الإلزام ) أي الإلزام على الخصم ( بواسطة إقامة الحجة ، والإلزام في المجهول لا يتحقق . ) أقول : فيه بحث . وهو أن عدم تحقق الإلزام في المجهول ممنوع ، إذ قد تقرر في كتاب الإقرار أن الإقرار بالمجهول صحيح ، وقد مر في صدر كتاب الدعوى أن حكم الدعوى الصحيحة وجوب الجواب على الخصم إما بالإقرار وإما بالإنكار ، فعلى تقدير إن أجاب الخصم بالإقرار يمكن الإلزام عليه في المجهول أيضا لكونه مؤاخذا بإقراره فينبغي أن تصح الدعوى فيه أيضا لظهور فائدتها على تقدير الجواب بالإقرار . وبالجملة إن الإلزام كما يتحقق بواسطة حجة البينة كذلك يتحقق بواسطة حجة الإقرار ، فإن لم يتصور الأول في دعوى المجهول يتصور الثاني فيها فلا يتم المطلوب . لا يقال : إقرار الخصم محتمل لا محقق فلا يتحقق الإلزام في دعوى المجهول بل يحتمل . لأنا نقول : المراد بتحقق الإلزام الذي عد فائدة الدعوى إمكان تحققه دون وقوعه بالفعل ، وإلا يلزم أن لا تتحقق الفائدة في كثير من دعاوى المعلوم أيضا ، كما إذا عجز المدعي عن البينة ولم يقر الخصم بما ادعاه بل أنكر وحلف إذا حينئذ لا يقع الإلزام بالفعل قطعا ( فإن كان ) أي المدعى ( عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ) أي كلف المدعى عليه إحضار العين المدعاة إلى مجلس الحكم ( ليشير ) أي المدعي ( إليها بالدعوى ) هذا الذي ذكر لفظ nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره .
قال المصنف ( وكذا في الشهادة والاستحلاف ) يعني إذا شهد الشهود على العين المدعاة أو استحلف المدعى عليه عليها كلف إحضاره إلى مجلس الحكم ليشير الشهود إليها عند أداء الشهادة ، وليشير المدعى عليه إليها عند الحلف ( لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط ، وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ) حتى قالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه حضر القاضي عندها أو بعث أمينا ، كذا في الكافي وغيره ( ويتعلق بالدعوى ) أي بالدعوى الصحيحة : أي بمجردها ، كذا في النهاية ومعراج الدراية ( وجوب الحضور ) أي وجوب حضور الخصم مجلس القاضي ( وعلى هذا القضاة ) أي على وجوب حضور الخصم مجلس القاضي بمجرد الدعوى الصحيحة القضاة . والأصل فيه قوله تعالى { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } إلى قوله { بل أولئك هم الظالمون } سماهم ظالمين لإعراضهم عند الطلب ( من آخرهم ) أي من آخرهم إلى أولهم وقال صاحب النهاية : أي بأجمعهم ، وهذا أيضا صحيح بالنظر إلى المآل .
وقال تاج الشريعة : أي من أولهم إلى آخرهم واقتفى أثره صاحب العناية ، وهذا بعيد عن عبارة المصنف كما لا يخفى ( في كل عصر ) فإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فعله ، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهما فعلا ذلك ، والتابعون بعد [ ص: 159 ] الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فعلوا ذلك من غير نكير منكر ، nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى كان يفعل ذلك ولم ينكر عليه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله ، إلى غير ذلك من المجتهدين فحل محل الإجماع ( ووجوب الجواب إذا حضر ) عطف على وجوب الحضور : أي ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا وجوب الجواب على المدعى عليه بنعم أو بلا ( ليفيد حضوره ) أي حضور الخصم ، فإن المقصود من حضوره الجواب ( ولزوم إحضار العين المدعاة ) أي ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا لزوم أن يحضر المدعى عليه العين المدعاة إلى مجلس القاضي ( لما قلنا ) إشارة إلى قوله ليشير إليها بالدعوى ( واليمين ) بالجر عطف على إحضار العين المدعاة ، فالمعنى : ويتعلق بالدعوى الصحيحة أيضا لزوم اليمين على المدعى عليه ( إذا أنكره ) أي إذا أنكر المدعى عليه ما ادعاه المدعي وعجز المدعي عن البينة ( وسنذكره إن شاء الله تعالى ) أي وسنذكر لزوم اليمين على المدعى عليه في آخر هذا الباب