. قال ( وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول وألزمه ما ادعى عليه ) وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يقضى به بل يرد اليمين على المدعي ، فإذا حلف يقضي به لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة واشتباه الحال فلا ينتصب حجة مع الاحتمال ، ويمين المدعي دليل الظهور فيصار إليه . ولنا أن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا ، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا [ ص: 177 ] للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب [ ص: 178 ] ولا وجه لرد اليمين [ ص: 179 ] على المدعي لما قدمناه .
( قال ) أي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره ( وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول ) أي قضى القاضي على المدعى عليه بالنكول ( وألزمه ما ادعى عليه ) أي وألزم القاضي المدعى عليه ما ادعى عليه المدعي .
وفي بعض نسخ مختصر nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : ولزمه بدل وألزمه : أي ولزم المدعى عليه ما ادعى عليه المدعي ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يقضي به ) أي بالنكول ( بل يرد اليمين على المدعي ، فإذا حلف ) المدعي ( يقضي به ) أي يقضي له بما ادعاه ، وإن نكل المدعي أيضا انقطعت المنازعة ( لأن النكول ) تعليل لقوله لا يقضى به ( يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة ) أي عن اليمين الصادقة ، كما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه أنه نكل عن اليمين وقال : أخاف أن يوافقها قضاء فيقال إن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان حلف كاذبا ، كذا ذكره الإمام خواهر زاده في مبسوطه ( واشتباه الحال ) أي ويحتمل اشتباه الحال عليه بأن لا يدري أنه صادق في إنكاره فيحلف أو كاذب فيه فيمتنع ( فلا ينتصب ) أي لا ينتصب نكول المدعى عليه ( حجة مع الاحتمال ) المذكور ( ويمين المدعي دليل الظهور ) أي دليل ظهور كون المدعي محقا ( فيصار إليه ) أي فيرجع إلى يمين المدعي ( ولنا أن النكول ) أي نكول المدعى عليه ( دل على كونه باذلا ) أي دل على كون المدعى عليه باذلا إن كان النكول بذلا كما هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ( أو مقرا ) أي على كونه مقرا إن كان النكول إقرارا كما هو مذهبهما ( ولولا ذلك ) أي ولولا كونه باذلا أو مقرا ( لأقدم على اليمين إقامة للواجب ) وهو اليمين لأنها واجبة عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=39896واليمين على من أنكر } وكلمة على للوجوب ( ودفعا [ ص: 177 ] للضرر عن نفسه ) أي دفعا لضرر الدعوى عن نفسه ( فترجح هذا الجانب ) واعلم أن حل المراد بهذه المقدمة من دليلنا وربطه بما قبلها من مداحض هذا الكتاب ، ولهذا لم يخل كلام كل واحد من الشراح هاهنا عن اختلال واضطراب ، فقال صاحب العناية : فترجح هذا الجانب : أي جانب كونه باذلا إن ترفع أو مقرا إن تورع ; لأن الترفع والتورع إنما يحل إذا لم يفض إلى الضرر بالغير انتهى .
أقول : فيه بحث ، أما أولا فلأن توزيع كونه باذلا أو مقرا إلى التورع والترفع مما لا يكاد يصح هاهنا ; لأن النكول عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة بذل لا غير ، وعندهما إقرار لا غير ، فعلى التوزيع المزبور لا يثبت الرجحان في هذا الجانب على الترفع والتورع معا في واحد من المذهبين ، بل إنما يثبت رجحان كونه باذلا في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على الترفع فقط ، ورجحان كونه مقرا في مذهبهما على التورع فقط ، وبه لا يتم المطلوب على شيء من المذهبين ; لأن الترفع وحده أو التورع وحده يحتمل واحدا من المحتملات المذكورة في دليل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وبمجرد رجحان هذا الجانب على واحد من تلك المحتملات لا يتعين كونه مرادا للناكل حتى يتم المطلوب .
والحاصل أن في تقرير صاحب العناية خلط المذهبين كما ترى . وأما ثانيا فلأنا لا نسلم أن التورع عن اليمين الكاذبة سيما عن اليمين الغموس كما فيما نحن فيه ، إنما يحل إذا لم يفض إلى الضرر بالغير بل الظاهر أن التورع عنها واجب في كل حال . واعترض عليه بعض الفضلاء بوجه آخر حيث قال : فيه بحث ، فإن ما ذكره من الإفضاء إلى الضرر بالغير غير ظاهر انتهى . أقول : هذا غير وارد ، فإن الإفضاء إليه في صورة التورع عن اليمين الكاذبة ظاهر جدا ; لأن كون المنكر كاذبا في يمينه إنما يتصور فيما إذا كان للمدعي حق عليه في الواقع ، فحينئذ لو تورع عن اليمين الكاذبة بدون البذل أو الإقرار أفضى إلى الضرر بالمدعي قطعا لتضييع حقه وهو ما ادعاه ، وكذا الإفضاء إليه في صورة الترفع عن اليمين الصادقة يظهر بأدنى تأمل ; لأن يمين [ ص: 178 ] المنكر حق المدعي لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=1758لك يمينه } كما مر ، فلو ترفع عن اليمين ولو عن الصادقة بدون رضا المدعي بالبذل ونحوه أفضى إلى الضرر بالمدعي بمنع حقه وهو يمين خصمه .
وقال صاحب النهاية وصاحب الكفاية : فترجح هذا الجانب : أي جانب كونه باذلا أو مقرا على جانب التورع ; لأن الشرع ألزمه التورع عن اليمين الكاذبة دون الترفع عن اليمين الصادقة فلذلك ترجح هذا الجانب في نكوله انتهى .
أقول : وفيه أيضا بحث ، أما أولا فلأن ما ذكراه من الدليل إنما أفاد رجحان هذا الجانب : أي جانب كونه باذلا أو مقرا على الترفع عن اليمين الصادقة حيث لم يكن الترفع عنها مما ألزمه الشرع فلا ينبغي أن يلتزمه الناكل ، ولم يفد رجحانه على التورع عن اليمين الكاذبة فلا معنى لقولهما على جانب التورع ، وإن أريد بجانب التورع الجانب المقابل لجانب البذل والإقرار لا التورع نفسه فيكون الترفع أيضا داخلا في ذلك الجانب ، يبقى أن يقال : ما ذكراه من الدليل إنما أفاد رجحان جانب كونه باذلا أو مقرا على الترفع عن اليمين الصادقة فقط ، وهو يحتمل واحدا من المحتملات المذكورة في دليل الخصم ، وبمجرد الرجحان عليه لا يتم مطلوبنا كما مر آنفا .
وأما ثانيا فلأن ما ذكراه من الدليل غير مذكور في كلام المصنف وغير منفهم منه ، فكيف يتم بناء شرح قول المصنف ، فترجح هذا الجانب عليه ، والفاء في فترجح تقتضي التفريع على ما سبق من كلامه كما لا يخفى . وقال صاحب غاية البيان : فترجح هذا الجانب : أي ترجح جانب كون الناكل باذلا أو مقرا على الوجه المحتمل ، وهو كونه متورعا أو نحو ذلك لأن النكول امتناع عن اليمين التي وجبت عليه ، فلولا أن النكول بذل أو إقرار لكان النكول امتناعا عن الواجب وظلما على المدعي ، والعاقل الدين لا يترك الواجب ولا يقدم على الظلم .
والحاصل أن النكول إن كان امتناعا عن اليمين الكاذبة يكون إقرارا ، وإن كان امتناعا عن اليمين الصادقة يكون بذلا انتهى . أقول : وفيه أيضا بحث ، أما أولا فلأن قوله وظلما على المدعي ليس بتام ، إذ لا نسلم أن النكول لو لم يكن بذلا أو إقرارا لكان ظلما على المدعي لجواز أن يكون للترفع عن اليمين الصادقة ، فحينئذ لا يتحقق الظلم على المدعي لأن صدق المدعى عليه في إنكاره يستلزم كذب المدعي في دعواه والكاذب ليس بمظلوم بل هو ظالم ، اللهم إلا أن يقال : يجوز أن يعد النكول ظلما على المدعي في صورة صدق المدعى عليه أيضا من جهة أن يمين المدعى عليه حق المدعي بموجب الحديث على ما مر ، وأن في النكول عنها منع هذا الحق فصار الناكل ظالما على المدعي في الجملة .
وأما ثانيا فلأن في التوزيع الحاصل من قوله والحاصل أن النكول إن كان امتناعا عن اليمين الكاذبة يكون إقرارا ، وإن كان امتناعا عن اليمين الصادقة يكون بذلا خللا حيث لا يكون المطلوب حينئذ على واحد من المذهبين ، بل يحتاج إلى خلطهما على ما بيناه في بحثنا الأول في كلام صاحب العناية ، فالصواب عندي في حل مراد المصنف هاهنا أن يقال : فترجح هذا الجانب : أي جانب كون الناكل باذلا أو مقرا على جميع الوجوه المحتملة المذكورة في دليل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بناء على مقتضى ما سبق من قوله إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه .
وبيان ذلك أن العاقل الدين لا يترك الواجب عليه ولا يترك دفع الضرر عن نفسه بشيء من تلك الوجوه المحتملة . أما بالترفع عن اليمين الصادقة فظاهر ، إذ هو ليس بأمر ضروري أصلا حتى يترك به الواجب ودفع الضرر عن النفس ، وأما بالتورع عن اليمين الكاذبة فلأن المتورع لا يترك الواجب عليه بل يعطي حق خصمه فيسقط الواجب عن عهدته ، فإن لم يكن الناكل باذلا أو مقرا ولم يقدم على اليمين انتفى احتمال كونه متورعا . وأما باشتباه الحال فلأن من يشتبه عليه الحال لا يترك الواجب عليه أيضا بل يتحرى فيقدم على إقامة الواجب أو يعطي حق خصمه فيسقط عن عهدته الواجب ، فإن لم يكن الناكل باذلا أو مقرا ولم يقدم على اليمين انتفى هذا الاحتمال أيضا .
وبالجملة إن قول المصنف إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه كلمة جامعة يندفع بها الوجوه المحتملة المذكورة في دليل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأسرها فيترجح كون الناكل باذلا أو مقرا بالضرر ( ولا وجه لرد اليمين [ ص: 179 ] على المدعي لما قدمناه ) أشار به إلى قوله ولا ترد اليمين على المدعي لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=13922البينة على المدعي واليمين على من أنكر } إلخ ، ونحن أيضا قدمنا واستوفينا هناك دليل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رد اليمين على المدعي وأجوبتنا عنه نقلا عن الكافي والتبيين بما لا مزيد عليه فتذكر