قال : ( ولا يجوز إجارة المشاع عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة إلا من الشريك ، وقالا : إجارة المشاع جائزة ) وصورته أن يؤاجر نصيبا من داره أو نصيبه من [ ص: 99 ] دار مشتركة من غير الشريك . لهما أن للمشاع منفعة ولهذا يجب أجر المثل ، والتسليم ممكن بالتخلية أو بالتهايؤ فصار كما إذا آجر من شريكه أو من رجلين وصار كالبيع . nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أنه آجر ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز ، وهذا ; لأن تسليم المشاع وحده لا يتصور ، والتخلية اعتبرت تسليما لوقوعه تمكينا وهو الفعل الذي يحصل به التمكن ولا تمكن في المشاع ، بخلاف البيع لحصول التمكن فيه ، وأما التهايؤ فإنما يستحق حكما للعقد بواسطة الملك ، وحكم العقد يعقبه والقدرة على التسليم شرط العقد وشرط الشيء يسبقه ، ولا يعتبر المتراخي سابقا ، [ ص: 100 ] وبخلاف ما إذا آجر من شريكه فالكل يحدث على ملكه فلا شيوع ، والاختلاف في النسبة لا يضره ، على أنه لا يصح في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن عنه ، وبخلاف الشيوع الطارئ ; لأن القدرة على التسليم ليست بشرط للبقاء ، وبخلاف ما إذا آجر من رجلين ; لأن التسليم يقع جملة ثم الشيوع بتفرق الملك فيما بينهما طارئ .
( قوله : وأما التهايؤ فإنما يستحق حكما للعقد بواسطة الملك ، إلى قوله لا يعتبر المتراخي سابقا ) هذا جواب عن قولهما أو بالتهايؤ . وحاصله أن التهايؤ من أحكام العقد بواسطة الملك فهو متأخر عن العقد الموجب للملك ، وهو منتف لانتفاء شرطه ، وهو القدرة على التسليم ، ولا يمكن إثباته بالتهايؤ ; لأنه لا يمكن أن يكون ثبوت الشيء بما يتأخر عنه ثبوتا ، كذا في العناية . واعترض بعض الفضلاء على ما في الهداية وعلى ما في العناية ، أما على ما في الهداية فبأن قال فيه بحث فإنهما لم يقولا إن التهايؤ هو القدرة على التسليم ، بل يقولان يتحقق التسليم به ، فكما أن التسليم حكم العقد ، والقدرة عليه شرط فكذلك يقال في التهايؤ ، وأما على ما في العناية فبأن قال يجوز ثبوت العلم بالشيء بما يتأخر عنه ثبوتا ، وما نحن بصدده منه . ا هـ .
أقول : كل واحد منهما ساقط . أما الأول فلأنه كلام خال عن التحصيل ; لأن ما ذكره هاهنا من قبل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ليس بمبني على أن يكون مدار ما قاله صاحباه على أن التهايؤ هو القدرة حتى يصح الاعتراض عليه بأنهما لم يقولا إن التهايؤ هو القدرة ، بل قالا يتحقق التسليم به ، بل ذاك مبني على أن قولهما أو بالتهايؤ في قولهما والتسليم ممكن بالتخلية [ ص: 100 ] أو بالتهايؤ يقتضي جواز كون ثبوت القدرة على التسليم بثبوت التهايؤ فيرد عليه من قبله أن يقال ثبوت التهايؤ بل ثبوت القدرة على التهايؤ متأخر عن تحقق العقد ; لأنه إنما يستحق حكما للعقد بواسطة الملك .
والقدرة على التسليم مقدمة على العقد لكونها شرط جوازه فكيف يمكن أن يكون ثبوت المتقدم بثبوت المتأخر ، وهذا معنى قول المصنف ولا يعتبر المتراخي سابقا ولا غبار عليه أصلا . وأما الثاني فلأنه لا شك في جواز ثبوت العلم بالشيء بما يتأخر عنه ثبوتا كما في الاستدلال من الأثر على المؤثر ، ولكن ما نحن بصدده ليس منه لا محالة ، إذ لا يشك عاقل في أن ليس معنى قولهما والتسليم ممكن بالتخلية أو بالتهايؤ أن ثبوت العلم بإمكان التسليم بالتخلية أو بالتهايؤ ، بل معناه أن ثبوت نفس إمكان التسليم : أي القدرة عليه بالتخلية أو بالتهايؤ ، وما نحن بصدده جواب عن قولهما ذلك ، فكان المراد به أيضا ما أريد به هنالك . ( قوله : وبخلاف الشيوع الطارئ ; لأن القدرة على التسليم ليست بشرط للبقاء ) قال صاحب العناية : ليس لقوله هذا تعلق ظاهرا إلا أن يجعل تمهيدا للجواب عن قولهما أو من رجلين ، لكن في قوله وبخلاف ما إذا آجر من رجلين نبوة عن ذلك تعرف بالتأمل ا هـ كلامه .
أقول : لا يذهب على ذي فطرة سليمة أن مقصود المصنف من قوله هذا دفع إشكال يرد على دليل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وهو أن الشيوع الطارئ لا يفسد الإجارة بالإجماع مع انتفاء القدرة على التسليم هناك أيضا ، ولا شك أن لهذا تعلقا ظاهرا بما نحن فيه من غير احتياج إلى أن يجعل تمهيدا لما بعده . ( قوله : وبخلاف ما إذا آجر من رجلين ; لأن التسليم يقع جملة ثم الشيوع بتفرق الملك فيما بينهما طارئ ) قال تاج الشريعة : فإن قلت : الشيوع [ ص: 101 ] مقارن لا طارئ فإنها عقد مضاف يعقد ساعة فساعة فكان الطارئ كالمقارن . قلت : بقاء الإجارة له حكم الابتداء من وجه دون وجه ; لأنها عقد لازم فلا يكون مقارنا . ا هـ كلامه .
ورد عليه صاحب العناية جوابه حيث قال : فإن قيل : لا نسلم أنه طارئ بل هو مقارن ; لأنها تنعقد ساعة فساعة . أجيب بأن بقاء الإجارة له حكم الابتداء من وجه ; لأنها عقد لازم فلا يكون مقارنا . وقال : وهو فاسد ; لأن العقد الغير اللازم هو الذي يكون للبقاء فيه حكم الابتداء كما تقدم في الوكالة ، على أنه لو ثبت هنا ابتداء وبقاء سقط الاعتراض ، وإنما الخصم يقول لا بقاء للعقد فيها . ا هـ . أقول : كل من أصل رده وعلاوته فاسد . أما الأول فلأن قول المجيب ; لأنها عقد لازم ناظر إلى قوله دون وجه ، أو إلى مجموع قوله من وجه دون وجه من حيث هو مجموع ، لا إلى قوله من وجه وحده كما توهمه صاحب العناية وبنى عليه رده كما ترى ، فمعنى الجواب أن لبقاء الإجارة حكم الابتداء من وجه دون وجه ; لأنها عقد لازم ، فإن العقد الغير اللازم يكون لبقائه حكم الابتداء من كل الوجوه ، فإذا لم يكن لبقاء الإجارة حكم الابتداء من وجه لم يكن الشيوع مقارنا للعقد من هذا الوجه فلم يكن الطارئ كالمقارن .
والحاصل أن مدار الجواب المزبور على الفرق بين الشيوع الطارئ والمقارن من الوجه الثاني دون الأول ، وصاحب العناية توهم العكس حتى طوى في تقرير الجواب قول المجيب دون وجه ، ولم يدر أن الجواب حينئذ لا يكون دافعا للسؤال أصلا بل يكون مقويا له كما يظهر بالتأمل الصادق . وأما الثاني فلأن ثبوت البقاء لعقد الإجارة مما لم ينازع فيه أحد ، فإن الأصل عندنا أن العين المستأجرة أقيمت مقام المنفعة في إضافة العقد إليها ، وأن العقد ، وهو الإيجاب والقبول الصادران من المتعاقدين مع ارتباط أحدهما بالآخر باق شرعا ببقاء العين المستأجرة على السلامة ، وإنما الذي يتجدد ساعة فساعة هو الانعقاد في حق المعقود عليه ، وهو المنفعة الحادثة شيئا فشيئا .
وهذا مع كونه معلوما مما تقرر في صدر كتاب الإجارة منكشف بما ذكر هاهنا في الكافي وكثير من الشروح ، وهو أن الشيوع الطارئ بأن آجر رجل من رجلين ثم مات أحد المستأجرين أو بأن آجر رجلان من رجل ثم مات أحد المؤجرين يفسد العقد في حق الحي في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن خالد بن صبيح عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ; لأن الإجارة يتجدد انعقادها بحسب حدوث المنافع ، فكان هذا في معنى الشيوع المقترن بالعقد . وفي ظاهر الرواية يبقى العقد في حق الحي ; لأن تجدد الانعقاد في حق المعقود عليه . فأما أصل العقد فمنعقد لازم في الحال ، وباعتبار هذا المعنى الشيوع طارئ والشيوع الطارئ ليس نظير المقارن ، كما في الهبة إذا ، وهب كل الدار وسلمها ثم رجع في نصفها ، انتهى ما في الكافي وكثير من الشروح ، وهكذا ذكر في المبسوط والأسرار أيضا فتنبه .