أي مسائل نثرت عن أماكنها وذكرت هنا تلافيا لما فات ( قوله : وإذا أقعد الخياط أو الصباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف فهو جائز ) صورة المسألة : إذا كان للخياط أو الصباغ دكان معروف ، وهو رجل مشهور عند الناس وله وجاهة ولكنه غير حاذق فيقعد في دكانه رجلا حاذقا ; ليتقبل العمل من الناس ويعمل ذلك الرجل على أن ما أصابا من شيء فهو بينهما نصفان ، وهذا في القياس فاسد ; لأن رأس مال صاحب الدكان المنفعة ، والمنفعة لا تصلح رأس مال الشركة ; ولأن المتقبل للعمل إن كان صاحب الدكان فالعامل أجيره بالنصف ، وهو مجهول ; لأن الأجرة إذا كانت نصف ما يخرج من عمله كانت [ ص: 150 ] مجهولة لا محالة ، وإن كان المتقبل هو العامل فهو مستأجر لموضع جلوسه من دكانه بنصف ما يعمل وذلك أيضا مجهول . nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي أخذ في هذه المسألة بالقياس وقال : القياس عندي أولى من الاستحسان .
وفي الاستحسان : يجوز هذا ; لأن هذا شركة التقبل في العمل بأبدانها سواء ، فيصير رأس مال أحدهما التقبل ، ورأس مال الآخر العمل ، وكل واحد منهما يجب به الأجر فجاز ، كذا في النهاية والكفاية . وقال صاحب العناية : وجه الاستحسان أن هذه ليست بإجارة ، وإنما هي شركة الصنائع ، وهي شركة التقبل ; لأن شركة التقبل أن يكون ضمان العمل عليهما ، وأحدهما يتولى القبول من الناس والآخر يتولى العمل لحذاقته ، وهو متعارف فوجب القول بجوازها للتعامل بها ا هـ كلامه . ورد عليه بعض الفضلاء قوله وأحدهما يتولى القبول من الناس حيث قال فيه : بحث ، فإن تعين أحدهما لتولي القبول ليس بلازم في شركة التقبل ، ولعل مراده كونه من متناولاتها ففي العبارة مسامحة . ا هـ .
أقول : منشأ توهمه جعل الواو في قول صاحب العناية وأحدهما يتولى القبول للعطف وحمل المعنى على بيان تعين أحدهما لتولي القبول في شركة التقبل ، وليس شيء من ذلك بمراد ، بل الواو فيه للحال . والمعنى أن شركة التقبل أن يكون ضمان العمل عليهما حال كون أحدهما يتولى القبول من الناس فيفهم منه بطريق الأولوية كون الضمان عليهما حال أن يتوليا القبول من الناس معا فيصير قول صاحب العناية هنا بمنزلة قول صاحب الكافي ; لأن تفسير شركة التقبل أن يكون ضمان العمل عليهما ، وإن كان أحدهما يتولى القبول من الناس لجاهه ، والآخر يتولى العمل لحذاقته . ا هـ . فلا محذور في عبارة صاحب العناية ولا مسامحة .
ثم اعلم أن صاحب العناية ليس بمنفرد في التعبير بتلك العبارة ، بل سبقه إليه صاحب معراج الدراية حيث قال : لأن تفسير شركة التقبل أن يكون ضمان العمل عليهما وأحدهما يتولى القبول من الناس لجاهه ، والآخر يتولى العمل لحذاقته ، وهو متعارف ، ووجب القول بصحته انتهى ( قوله : لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة فهذا بوجاهته يقبل ، وهذا بحذاقته يعمل فتنتظم بذلك المصلحة فلا تضره الجهالة فيما يحصل ) قال الإمام الزيلعي في شرح الكنز : قال صاحب الهداية : هذه شركة الوجوه في الحقيقة ، فهذا [ ص: 151 ] بوجاهته يقبل ، وهذا بحذاقته يعمل ، فيه نوع إشكال ، فإن تفسير شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا شيئا بوجوههما ويبيعا وليس في هذه بيع ولا شراء فكيف يتصور أن تكون شركة الوجوه . وإنما هي شركة الصنائع على ما بينا ، إلى هاهنا كلامه .
أقول : ليس مراد المصنف بشركة الوجوه في قوله ; لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة ما هو المصطلح عليه المار في كتاب الشركة بل مراده بها هاهنا ما وقع فيه تقبل العمل بالوجاهة يرشد إليه قوله : فهذا بوجاهته يقبل ، وهذا بحذاقته يعمل فيندفع الإشكال ، ولا يمتنع كونها شركة الصنائع والتقبل على المعنى المصطلح عليه في كتاب الشركة . وقال صدر الشريعة في شرح الوقاية : ففي الهداية حمله على شركة الوجوه ، وفيه نظر ; لأنه شركة الصنائع والتقبل ، فكأن صاحب الهداية أطلق شركة الوجوه عليها ; لأن أحدهما يقبل العمل بوجاهته ، إلى هنا كلامه . وقال بعض الفضلاء بعد نقل ما ذكره صدر الشريعة : ولا يخفى عليك أن في قوله في الحقيقة نوع نبوة عن هذا انتهى .
أقول : إن قول المصنف في الحقيقة ليس للاحتراز عن كونها شركة أخرى بل هو للاحتراز عن كونها إجارة ، وأن مراده بالحقيقة ما يقابل الظاهر والصورة لا ما يقابل المجاز ، فالمعنى أن هذه المعاقدة ، وإن كانت بحسب الصورة وظاهر الحال عقد إجارة بالنصف إلا أنها بحسب حقيقة الحال عقد شركة الوجوه : أي عقد شركة التقبل بالوجاهة فلا نبوة عن هذا في شيء تأمل تقف .