( قوله فقال عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=81437فإن عادوا فعد } إلخ ) قال جمهور الشراح : معنى قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=81437فإن عادوا فعد } إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر والطمأنينة جميعا كما زعمه البعض ، لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيلزم أن يكون إجراء كلمة الكفر مباحا ، وليس كذلك لأنه لا تنكشف حرمته أصلا انتهى .
وعزاه في النهاية ومعراج الدراية إلى مبسوط شيخ الإسلام . وأورد عليه بعض الفضلاء بأن قال : فيه بحث ، فإنه قد يكون الأمر للترخيص . قال العلامة النسفي في أول كتاب الطلاق من الكافي : الأمر بالشيء لا ينفي الحظر ، فإن المحظور قد يرخص بصيغة الأمر حتى لا يقع في محظور فوقه كالحنث في اليمين وقطع الصلاة إلى آخر ما ذكره هناك ، فلم لا يجوز أن يكون ما ذكره هنا كذلك انتهى .
أقول : مراد الشراح أن أدنى درجات ما استعمل فيه صيغة الأمر حقيقة هو الإباحة ، وإنما تستعمل في الترخيص ونحوه مجازا ، ولا بد في المجاز من قرينة صارفة عن الحمل على الحقيقة ، وفيما نحن فيه لم توجد القرينة فلا جرم نحملها على الحقيقة ، وحقيقة الأمر إنما تتصور هاهنا بصرف الإعادة إلى الطمأنينة دون إجراء كلمة الكفر لما بينوا .
وعن هذا قال العلامة النسفي هاهنا أي عد إلى طمأنينة القلب بالإيمان وما قيل فعد إلى ما كان منك من النيل مني وذكر آلهتهم بخير فغلط ، لأنه لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأمر [ ص: 242 ] بالتكلم بكلمة الشرك إلى هنا كلامه ( قوله لأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق ، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه ) قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : قوله ولأن بهذا الإظهار دليل معقول .
ووجهه أن الإيمان لا يفوت بهذا الإظهار حقيقة لأن الركن الأصلي فيه هو التصديق وهو قائم حقيقة ، والإقرار ركن زائد وهو قائم تقديرا ، لأن التكرار ليس بشرط ، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فكأنما اجتمع فيه فوت حق العبد يقينا وفوت حق الله توهما فيسعه الميل إلى إحياء حقه ا هـ كلامه . أقول : في تقريره خلل .
أما أولا فإن قوله لأن التكرار ليس بشرط في تعليل قوله وهو قائم تقديرا ليس بسديد ، لأن عدم اشتراط التكرار لا يستدعي قيام الإقرار تقديرا ، إذ لا بد فيه من أن لا يطرأ عليه ما يضاده كما تقرر في موضعه ، والمفروض هاهنا طريانه عليه ، إذ الكلام في إظهار كلمة الكفر وهو مضاد للإقرار باللسان . فإن قلت : إظهارها إكراها لا يضاده الإقرار طواعية ، وإنما يضاده إظهارها طواعية . قلت : هذا مبني على جواز إظهارها حالة الإكراه وهو أول المسألة ، فأخذه في أثناء إقامة الدليل عليها مصادرة فبهذا ظهر سقوط ما قاله بعض الفضلاء هاهنا إنه ككلام الناسي وجوده بمنزلة العدم ، فإنه أيضا مبني على أول المسألة فيستلزم المصادرة .
وأما ثانيا فلأن قوله فكان مما اجتمع فيه فوت حق العبد يقينا ، وفوت حق الله تعالى توهما يشعر بعدم فوت حق الله تعالى حقيقة هاهنا أصلا ، وليس كذلك إذ لولا فوت حقه تعالى حقيقة أصلا لما كان مأجورا فيما إذا صبر حتى قتل ، ولا نسلم قول المصنف فيما سيأتي ، ولأن الحرمة باقية ، إذ الظاهر أن الحرمة لا تثبت بمجرد توهم فوت حقه تعالى بدون أن يفوت حقيقة ، بل التحقيق أن إجراء كلمة الكفر على اللسان حرام في كل حال لا يسقط عنه الحرمة أصلا ، وأن فيه ترك حق من حقوق الله تعالى ، بل هو كفر صورة في حالة الإكراه ، وكفر صورة ومعنى في حالة صحة الاختيار كما صرح به في كتب الأصول ، إلا أن المبتلى بالإكراه عليه يصير معذورا حالة الإكراه فيسعه الميل إليه عند طمأنينة القلب إحياء لحقه مع بقاء حرمته أبدا .
( قوله ولأن الحرمة باقية ، والامتناع لإعزاز الدين عزيمة ) ، بخلاف ما تقدم للاستثناء ( واعترض عليه بأن إجراء كلمة الكفر أيضا مستثنى بقوله { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ ص: 243 ] من قوله { من كفر بالله من بعد إيمانه } فينبغي أن يكون مباحا كأكل الميتة وشرب الخمر ) .
وأجيب بأن في الآية تقديما وتأخيرا وتقديره : من كفر بالله من بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، فالله تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه ، وإنما وضع عنهم العذاب والغضب ، وليس من ضرورة نفي الغضب وهو حكم الحرمة عدم الحرمة ، لأنه ليس من ضرورة عدم الحكم عدم العلة كما في شهود الشهر في حق المسافر والمريض ، فإن السبب موجود والحكم متأخر ، فجاز أن يكون الغضب منتفيا مع قيام العلة الموجبة للغضب وهي الحرمة فلم يثبت إباحة إجراء كلمة الكفر ، كذا في عامة الشروح . وعزاه في النهاية إلى مبسوط شيخ الإسلام .
قال صاحب العناية بعد ذكر السؤال والجواب : وفيه نظر ، لأن المراد بالعلة إن كان هو المصطلح فذاك ممتنع التخلف على الحكم الذي هو معلوله ، وإن كان المراد بها السبب الشرعي كما مثل به فإنما يتخلف الحكم عنه بدليل آخر شرعي يوجب تأخيره كما في المثال المذكور من قوله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ولا دليل فيما نحن فيه على ذلك ا هـ .
أقول : هذا النظر ساقط جدا ، فإنه يصح أن نختار كل واحد من شقي الترديد ولا يلزم محذور أصلا ، إذ يجوز أن يراد بالعلة ما هو المصطلح عليه في علم الأصول ، وهو ما كان خارجا عن الشيء مؤثرا فيه .
قوله فذاك ممتنع التخلف عن الحكم الذي هو معلوله ممنوع ، فإن وجوب مقارنة العلة الشرعية للمعلول إنما هو في بعض أقسامها ، وهو ما كان علة اسما ومعنى وحكما دون بعضها الآخر وهو ما كان علة اسما فقط أو اسما ومعنى كما تقرر ذلك كله في علم الأصول ، فيجوز أن تكون العلة فيما نحن فيه من قبيل الثاني فلا يمتنع التخلف ، ويجوز أن يراد بها السبب الشرعي كما هو الظاهر من التمثيل ، وهو ما كان خارجا عن الشيء [ ص: 244 ] ولم يكن مؤثرا فيه بل كان موصلا إليه في الجملة . وقوله فإنما يتخلف الحكم عنه بدليل آخر شرعي يوجب تأخيره ممنوع ، بل [ ص: 245 ] السبب الشرعي مطلقا من حيث إنه سبب يجوز تخلف الحكم عنه ، إذ لا بد أن يتوسط بينه وبين الحكم علة ، فما لم تتحقق تلك العلة لا يتحقق الحكم بمجرد السبب ، وهذا أيضا مع كونه مقررا في علم الأصول مفهوم من نفس معنى السبب الشرعي ، فإن الإيصال في الجملة كيف يستلزم تحقق الحكم ، والمثال المذكور في الجواب ليس في معرض التعليل لتخلف الحكم عن السبب الشرعي بل هو مسوق لمجرد التمثيل ، فتحقق دليل شرعي يدل على جواز تأخير الحكم هناك لا يقتضي قيام دليل شرعي على جواز ذلك في كل صورة على حدة ، على أنه يمكن أن يجعل حديث خبيب دليلا على بقاء الحرمة فيما نحن فيه بعد أن نفى حكمه وهو الغضب ، فإن خبيبا رضي الله عنه لما أكره على إظهار كلمة الكفر فصبر ولم يظهرها حتى قتل مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سماه سيد الشهداء وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=67500هو رفيقي في الجنة } ولو لم تبق الحرمة أبدا في إظهار كلمة الكفر لما وسعه الصبر على ما توعد به من القتل ، ولما استحق المدح في ذلك لأن في الامتناع عن المباح في تلك الحالة إعانة الغير على إهلاك نفسه وهي حرام ، فيلزم أن يأثم بذلك كما في حالة المخمصة كما مر