( قوله ثم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } ) ليس من تمام ما اتصل به بل هو حديث آخر ، فهو استدلال بمجموع فعله الترتيب بين الأربع وأمره بالصلاة على الوجه الذي فعل فلزم الترتيب ، ولو قاله بالواو لكان أقل إيهاما ، ولا يخفى أن الحديث الثاني ليس على صرافة ظاهره من إيجاب كل ما وقع عليه رؤيتهم من صلاته فإنها وقعت على ما هو من السنن والآداب وليست واجبة فهو على الندب إن اعتبرت هذه المرادة أو على الإيجاب إن اعتبرت غيرها ، وعلى كل حال لا يفيد المطلوب ، أما على التقدير الأول فظاهر ، وكذا على الثاني لأنه فرع ثبوت الوجوب بغيره لأن كون هذا الترتيب واجبا عين النزاع وصلوا إلى آخره إيجاب فعل الواجبات على الوجه الذي رأوه فعلها فلا يقدم السجود على الركوع ولا يقرأ في غير القيام .
وحاصله على هذا التقدير تعيين الكيفيات الواجبة أن تغير ، وذلك فرع ثبوت الوجوب أولا . وغاية ما يدفع به هذا أن يقال هو مفيد وجوب كل ما وقع عليه الرؤية إلا ما قام الدليل فيه على خلافه من كونه سنة أو أدبا ، وحينئذ يقال الترتيب من المستثنى لما قدمنا من استلزام تقديم الظني على القاطع بتقدير ما ذهبوا إليه ، ثم الحديث الثاني هو ذيل حديث مالك بن الحويرث في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وتقدم .
لوجوب حمل الأول على إرادة بين وقت المغرب والعشاء وهو أحد محتمليه لصحة أنه صلى العصر قبل المغرب ، والمفاد بالثاني أن الحبس تحقق إلى وقت الاحمرار فوقع الدعاء عليهم إذ ذاك وليس فيه أنه صلاها إذ ذاك ، وقد تظافرت رواية الصحيحين مع ما قبلها أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت بعد الغروب ، وكذا لا يعارض ما في الصحيحين من أنه صلاها بعد الغروب الأحاديث السابقة من أنه صلاها بعد دخول وقت العشاء وذهاب ما شاء الله منه للتصادق ، غير أن المتبادر من تخصيص قوله " فصلى العصر بعد ما غربت " أنه قبل وقت العشاء وإلا لقال بعدما دخل وقت العشاء ، لكن يجب الحمل على مجرد ما يصدق به لأن تلك الأحاديث أيضا صحت بكثرة الطرق وبعضها في حديث nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ( قوله إلا أن تزيد الفوائت ) استثناء من قوله رتبها في القضاء ، ولا يلزم كون الفوائت سبعا لأن ما به الزيادة لا يوجب اللفظ كونه فائتا بل إذا انضم إلى الفوائت المعينة صلاة صدق أن المسمى بالفوائت زادت وإن لم تكن فائتة ، هذا غاية ما يؤديه اللفظ وإلا استلزم كون الفوائت سبعا ( قوله وحد الكثرة ) قال في شرح الكنز وغيره : المعتبر أن تبلغ الأوقات المتخللة ستا مذ فاتته الفائتة وإن أدى ما بعدها [ ص: 491 ] في أوقاتها ، وقيل يعتبر أن تبلغ الفوائت ستا ولو كانت متفرقة ، وثمرة الخلاف تظهر فيمن ترك ثلاث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم ، فعلى الأول يسقط الترتيب .
يعني بين المتروكات ، وعلى الثاني لا لأن الفوائت بنفسها يعتبر أن تبلغ ستا ، ومثل هذا ما ذكره في المصفى في وجه اقتصار صاحب المنظومة على نقل الخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا ترك ظهرا وعصرا من يومين دون أن يذكره في ثلاثة فصاعدا .
قال للخلاف فيما إذا كانت ثلاثة ، فعند بعضهم يسقط الترتيب ، لأن ما بين الفوائت يزيد على ست ، ومنهم من أوجبه لأن المعتبر كون الفوائت بنفسها ستا : يعني فلما اختلفوا في ثبوت الخلاف بينهم في الزائد على الصلاتين اقتصر في المنظومة على نقل الخلاف فيهما ، ولا يخفى على من علم مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة من أن الوقتية المؤداة مع تذكر الفائتة تفسد فسادا موقوفا إلى أن يصلي كمال خمس وقتيات ، فإن لم يعد شيئا منها حتى دخل وقت السادسة صارت كلها صحيحة ، ولا يخفى أنه لا يتصور على قوله كون المتخللات ست فوائت لأنه مع دخول وقتها ثبتت الصحة فلا يتحقق فائتا سوى المتروكة إذ ذاك ، والمسقط هو ست فوائت لا مجرد أوقات لا فوائت فيها فإنه لا معنى له إذ السقوط بكثرة الفوائت كي لا يؤدي التزام الاشتغال بأدائها إلى تفويت الوقتية ، فمجرد الأوقات بلا فوائت لا أثر له ، فلا وجه لاعتباره .
فإن قلت : إنما ذكر من رأيت في تصوير هذه أنه إذا صلى السادسة من المؤديات وهي سابعة المتروكة صارت الخمس صحيحة ولم يحكموا بالصحة على قوله بمجرد دخول وقتها . فالجواب أنه يجب كون [ ص: 492 ] هذا منهم اتفاقيا ، لأن الظاهر أنه يؤدي السادسة في وقتها لا بعد خروجه . فأقيم أداؤها مقام دخول وقتها لما سنذكر من أن تعليله لصحة الخمس يقطع ثبوت الصحة بمجرد دخول الوقت أداها أو لا ، وعلى هذا يجب أن يحكم على الخلاف المذكور بالخطإ . والتحقيق أن خلاف المشايخ في الثلاث إنما هو في الحكم بأن عدم وجوب الترتيب هو بالاتفاق بين الثلاثة ، أو على الخلاف كما في الثنتين ابتداء كما نحققه بذكر المسألة بشعبها ، وبه يتبين مبنى الخلاف على وجه الصحة إذ قد صرنا إليها إحرازا لفائدتها فإنها مهمة ولم يذكرها في الهداية .
وجه قولهما فيها إلحاق ناسي الترتيب بين الصلاتين الفائتتين بناسي الفائتة فيسقط الترتيب به ، وهو ألحقه بناسي التعيين وهو من فاتته صلاة لم يدر ما هي ولم يقع تحريه على شيء يعيد صلاة يوم وليلة بجامع تحقق طريق يخرج بها عن العهدة بيقين فيجب سلوكها . وهذا الوجه يصرح بإيجاب الترتيب في القضاء عنده فيجب الطريق التي يعينها لا كما قيل إنه مستحب عنده فلا خلاف بينهم . ثم صورة قضاء الصلاتين عنده أن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر ، فإن كان المتروك أولا هو الظهر فالظهر الأخيرة تقع نفلا . وإن كان هو العصر فالظهر الأولى تقع نفلا .
وكما يجوز أن يبدأ بالظهر يجوز أن يبدأ بالعصر فيصلي العصر ثم الظهر ثم العصر . ولو كانت الفوائت ثلاثا ظهر من يوم وعصر من يوم ومغرب من يوم ولا يدري ترتيبها ولم يقع تحريه على شيء صلى الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر سبع صلوات . لأن كلا من الثلاث يحتمل كونها أولى أو أخيرة أو متوسطة تجيء تسعا الثابت في الخارج ست للتداخل لأن توسط الظهر يصدق في الخارج ، أما مع تقدم العصر أو المغرب فلا يكون كل قسما برأسه وكذا هما فخرج بواسطة كل واحدة يبقى الثابت الظهر ثم العصر ثم المغرب أو الظهر ثم المغرب ثم العصر فهذان قسما تقدم الظهر ولتقدم العصر مثلهما وللمغرب كذلك ، فإن فاتته العشاء من يوم آخر مع تلك الثلاثة يصلي تلك السبع ثم يصلي الرابعة وهي العشاء فصارت ثمانية ، ثم يعيد تلك السبع على ذلك الوجه فالجملة خمس عشرة ، فلو كانت خمسا من خمسة أيام بأن ترك الفجر أيضا يصلي إحدى وثلاثين صلاة تلك الخمس عشرة على ذلك النحو ثم يصلي الخامسة : أعني الفجر ثم يعيد تلك الخمسة عشرة ، فالضابط أن المتروكة إن كانتا ثنتين يصليهما ثم يعيد أولاهما ، وإن كانت ثلاثا صلى تلك الثلاث ثم الثالثة ، ثم أعاد تلك الثلاث ، وإن كانت أربعا صلى قضاء الثلاث كما قلنا ثم الرابعة ، ثم أعاد ما يلزمه في قضاء الثلاث .
وإن كانت خامسة فعل ما لو كان المتروك أربعا ثم يصلي الخامسة ثم يفعل ما يلزمه في أربع . وإنما أطنبنا لكثرة سؤال السؤال عنه . وفي فتاوى قاضي خان : الفتوى على قولهما كأنه تخفيفا على الناس لكسلهم . وإلا فدليلهما لا يترجح على دليله .
وإذا عرفت هذا فقد اختلف المشايخ فيما وراء الصلاتين ، فذهب طائفة إلى أنه لا ترتيب بالاتفاق فلا يؤمر بإعادة الأولى في قول الكل . قال في الحقائق : وهو الأصح لأن إعادة ثلاث صلوات في وقت الوقتية لأجل الترتيب مستقيم ، أما إيجاب سبع صلوات [ ص: 493 ] في وقت واحد لا يستقيم لتضمنه تفويت الوقتية انتهى ، فهذا يوضح لك أن خلاف هؤلاء فيما وراء الثنتين لما يلزمه من إيجاب سبع بإيجاب الترتيب ، وهو كسبع فوائت معنى لما علمت من أن إيجاب الترتيب في قضائها يوجب سبع صلوات ، فإذا كان الترتيب يسقط بست فأولى أن يسقط بسبع ، والطائفة الأخرى لم يعتبروا إلا تحقق فوائت ست ، والأولون أوجه لأن المعنى الذي لأجله سقط الترتيب بالست موجود في إيجاب سبع ، فظهر بهذا مبنى الخلاف على وجه الصحة كما ذكر في شرح الكنز ، والله أعلم ( قوله زجرا له عن التهاون ) والفتوى على الأول ، كذا في الكافي وغيره لأن هذا ترجيح بلا مرجح .
وما قالوا يؤدي إلى التهاون لا إلى الزجر عنه ، فإن من اعتاد تفويت الصلاة وغلب على نفسه التكاسل لو أفتى بعدم الجواز يفوت أخرى وهلم جرا حتى يبلغ حد الكثرة .