( قوله وكذا الأولى ; لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش وهو محدث . والله تعالى بجميع صفاته قديم ) قال بعض المتأخرين : يرد عليه أن حدوث تعلق صفته تعالى بشيء حادث لا يوجب حدوث تلك الصفة لعدم توقفها على ذلك التعلق ، فإن صفة العز الثابتة له تعالى أزلا وأبدا ، وعدم تعلقه بالعرش الحادث مثلا قبل خلقه لا يستلزم انتفاء عزه ولا نقصانا فيه ، كما أن عدم تعلق كمال قدرته بهذا العالم العجيب الصنع قبل خلقه لا يوجب عدم قدرته أو نقصا فيه . وبالجملة التعلقات الحادثة مظاهر للصفات لا مباد لها ، فالأولى في تقرير الدليل أن يقال كما قال صاحب الكافي ; لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش وأن عزه حادث ، والعز صفته القديمة حيث جعل لزوم كون عزه حادثا داخلا في حيز الإيهام فتأمل ، إلى هنا كلامه . أقول : إن صاحب الكافي وإن جعل لزوم كون عزه حادثا داخلا في حيز الإيهام إلا أنه علل إيهام أن عزه حادث بتعلقه بالمحدث حيث قال : لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش ، وأن عزه حادث لتعلقه بالمحدث ، والعز صفته القديمة لم يزل موصوفا به ولا يزال موصوفا به انتهى .
فكان مدار ما قاله صاحب الكافي أيضا لزوم تعلق عزه بالمحدث فلم يكن فرق بينه وبين ما قاله المصنف في ورود ما ذكره ذلك القائل ، فلا معنى لقوله فالأولى في تقرير الدليل أن يقال كما قاله صاحب الكافي وإن لم ير ذلك القائل قول صاحب الكافي لتعلقه بالمحدث فكون علة قوله : وإن عزه حادث تعلقه بالمحدث ظاهر وإن لم يصرح به ، إذ لا شيء يصلح لأن يكون علة له سواه ، وعن هذا ترى كل من بين وجه الكراهة في الدعاء المذكور من مشايخنا جعل المدار لزوم تعلق عزه بالحادث . قال في المحيط : وأما باللفظ الأول فلأنه يوهم تعلق عزه بالعرش ، وأن عزه حادث إذ تعلق بالمحدث والله تعالى متعال عن صفة الحدوث انتهى .
وقال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير : وإن كان من العقد وهو المعروف في هذا الدعاء فإنه يكره أيضا ; لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش ، وأن عزه حادث إذ تعلق بالمحدث والله تعالى عزيز لم يزل موصوفا به ولا يزال موصوفا به انتهى . إلى غير ذلك من عبارات المشايخ العظام في هذا المقام . ثم أقول في الجواب عما أورده ذلك البعض : الظاهر أن ما هربوا عنه هاهنا ليس إيهام مطلق تعلق عزه تعالى بالمحدث ، إذ قد تقرر في علم أصول الدين أن ظهور المحدثات كلها وبروزها من كتم العدم إلى دائرة الوجود [ ص: 65 ] بحسب تعلق إرادة الله تعالى وقدرته بذلك . والحدوث إنما هو في التعلقات دون أصل الصفات ، ولا نقصان في ذلك أصلا بل هو كمال محض لا يخفى ، فكذا الحال في صفة عزه تعالى وإنما مرادهم بما هربوا عنه إيهام تعلق عزه تعالى بالمحدث تعلقا خاصا ، وهو أن يكون ذلك المحدث مبدأ ومنشأ لعزه تعالى كما يوهمه كلمة " من " في قوله " بمعقد العز من عرشك " إذ الظاهر المتبادر منها في بادئ الرأي أن تكون لابتداء الغاية حتى قال بعضهم : إن جميع معاني من راجعة إلى معنى ابتداء الغاية ، ولا شك أن التعلق بالمحدث على الوجه الخاص المذكور غير متصور في عزه تعالى ولا في صفة من صفاته تعالى أصلا ، وكيف لا يكون مرادهم هذا ولا محالة أنه لا ينبغي أن يخفى على أساطين الفقهاء ما تقرر في علم أصول الدين من جواز تعلق صفات الله بالمحدثات تعلق إفاضة ، ألا ترى أن المحدثات كلها مظاهر صفات الله تعالى وإنما المحال تعلق صفة الله تعالى بالمحدث تعلق استفاضة منه فهو المهروب عن إيهامه فيما نحن فيه بلا ريب