( وإذا كان
نهر بين قوم واختصموا في الشرب كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم ) ; لأن المقصود الانتفاع بسقيها فيتقدر بقدره ، بخلاف الطريق ; لأن المقصود التطرق وهو في الدار الواسعة والضيقة على نمط واحد ، فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر لم يكن له ذلك لما فيه من إبطال حق الباقين ، ولكنه يشرب بحصته ، فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز ; لأن الحق له ، إلا أنه إذا تمكن من ذلك بلوح لا يسكر بما ينكبس به النهر من غير تراض لكونه إضرارا بهم ، وليس لأحدهم أن يكري منه نهرا أو ينصب عليه رحى ماء إلا برضا أصحابه ; لأن فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك بالبناء ، إلا أن يكون رحى لا يضر بالنهر ولا بالماء ، ويكون موضعها في أرض صاحبها ; لأنه تصرف في ملك نفسه ولا ضرر في حق غيره .
[ ص: 86 ] ومعنى الضرر بالنهر ما بيناه من كسر ضفته ، وبالماء أن يتغير عن سننه الذي كان يجري عليه ، والدالية والسانية نظير الرحى ، ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة بمنزلة طريق خاص بين قوم ، بخلاف ما إذا كان لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم فأراد أن يقنطر عليه ويستوثق منه له ذلك ، أو كان مقنطرا مستوثقا فأراد أن ينقض ذلك ولا يزيد ذلك في أخذ الماء حيث يكون له ذلك ; لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعا ورفعا . ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء ، ويمنع من أن يوسع فم النهر ; لأنه يكسر ضفة النهر ، ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء ، وكذا إذا كانت القسمة بالكوى ، وكذا إذا أراد أن يؤخرها عن فم النهر فيجعلها في أربعة أذرع منه لاحتباس الماء فيه فيزداد دخول الماء فيه .
بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه أو يرفعها حيث يكون له ذلك في الصحيح ; لأن قسمة الماء في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع وهو العادة فلم يكن فيه تغيير موضع القسمة ، ولو كانت
القسمة وقعت بالكوى فأراد أحدهم أن يقسم بالأيام ليس له ذلك ; لأن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه . ولو كان لكل منهم كوى مسماة في نهر خاص ليس لواحد أن يزيد كوة وإن كان لا يضر بأهله ; لأن الشركة خاصة ، بخلاف ما إذا كانت الكوى في النهر الأعظم ; لأن لكل منهم أن يشق نهرا منه ابتداء فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى