فصل في طبخ العصير والأصل أن ما ذهب بغليانه بالنار وقذفه بالزبد يجعل كأن لم يكن ويعتبر ذهاب ثلثي ما بقي ليحل الثلث الباقي ، بيانه عشرة دوارق من عصير طبخ فذهب دورق بالزبد يطبخ الباقي حتى يذهب ستة دوارق ويبقى الثلث فيحل ; لأن الذي يذهب زبدا هو العصير أو ما يمازجه ، وأيا ما كان جعل كأن العصير تسعة دوارق فيكون ثلثها ثلاثة
وأصل آخر أن العصير إذا صب عليه ماء قبل الطبخ ثم طبخ بمائه ، إن كان الماء أسرع ذهابا لرقته ولطافته يطبخ الباقي بعد ما ذهب مقدار ما صب فيه من الماء حتى يذهب ثلثاه ; لأن الذاهب الأول هو الماء والثاني العصير ، فلا بد من ذهاب ثلثي العصير ، وإن كانا يذهبان معا تغلى الجملة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فيحل ; لأنه ذهب الثلثان ماء وعصيرا والثلث الباقي ماء وعصير فصار كما إذا صب الماء فيه بعد ما ذهب من العصير بالغلي ثلثاه
بيانه عشرة دوارق من عصير وعشرون دورقا من ماء
ففي الوجه الأول [ ص: 109 ] يطبخ حتى يبقى تسع الجملة ; لأنه ثلث العصير ; وفي الوجه الثاني حتى يذهب ثلثا الجملة لما قلنا ، والغلي بدفعة أو دفعات سواء إذا حصل قبل أن يصير محرما
ولو قطع عنه النار فغلى حتى ذهب الثلثان يحل ; لأنه أثر النار
وأصل آخر أن العصير إذا طبخ فذهب بعضه ثم أهريق بعضه كم تطبخ البقية حتى يذهب الثلثان فالسبيل فيه أن تأخذ ثلث الجميع فتضربه في الباقي بعد المنصب ثم تقسمه على ما بقي بعد ذهاب ما ذهب بالطبخ قبل أن ينصب منه شيء فما يخرج بالقسمة فهو حلال
بيانه عشرة أرطال عصير طبخ حتى ذهب رطل ثم أهريق منه ثلاثة أرطال تأخذ ثلث العصير كله وهو ثلاثة وثلث وتضربه فيما بقي بعد المنصب هو ستة فيكون عشرين ثم تقسم العشرين على ما بقي بعد ما ذهب بالطبخ منه قبل أن ينصب منه شيء وذلك تسعة ، فيخرج لكل جزء من ذلك اثنان وتسعان ، فعرفت أن الحلال فيما بقي منه رطلان وتسعان ، وعلى هذا تخرج المسائل ولها طريق آخر ، [ ص: 110 ] وفيما اكتفينا به كفاية وهداية إلى تخريج غيرها من المسائل .
قال جماعة من الشراح : لما كان طبخ العصير من أسباب منعه عن التخمر ألحقه بالأشربة تعليما لإبقاء ما هو حلال على حله
وقال بعضهم : لما ذكر فيما تقدم أن العصير لا يحل ما لم يذهب ثلثاه شرع يبين كيفية طبخ العصير إلى أن يذهب ثلثاه ( قوله : لأن الذي يذهب زبدا هو العصير أو ما يمازجه ، وأيا ما كان جعل كأن العصير تسعة فيكون ثلثها ثلاثة ) أقول : فيه شيء وهو [ ص: 109 ] أن وجه جعل العصير تسعة دوارق على تقدير أن يكون الذاهب زبدا هو العصير غير ظاهر ; إذ لا يكون حينئذ فرق بين الذاهب زبدا من عشرة دوارق وبين الباقي منها في كونها عصيرا ، فإذا جاز اعتبار بعض منها وهو الذاهب زبدا في حكم العدم بلا أمر يوجبه فلم لا يجوز اعتبار بعض من التسعة الباقية منها أيضا في حكم العدم عند ذهابه بالطبخ
والأظهر في تعليل هذا الأصل أن يقال : لأن الذي يذهب زبدا جعل كأن لم يكن ; لأن الزبد ليس بعصير فصار كما لو صب فيه دورق من ماء ، ولو كان كذلك لم يعتبر الماء فكذلك هذا ، ويفصح عن ذلك ما ذكره صاحب الغاية نقلا عن أصل nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله حيث قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : في الأصل عشرة دوارق عصير تصب في قدر فتطبخ فتغلي ويقذف بالزبد ، فجعل يأخذ ذلك الزبد حتى جمع من ذلك الزبد قدر دورق ، ثم يطبخ الباقي حتى يبقى ثلاثة دوارق وهو ثلث الباقي بعد الدورق الذي أخذ منه ، وذلك ; لأن ما أخذ من الدورق زبد فجعل كأنه لم يكن ; لأن الزبد ليس بعصير ، وإذا لم يكن الزبد عصيرا يعتبر بما لو كان صب فيه دورق من ماء ، ولو [ ص: 110 ] كان كذلك لا يعتبر الماء وإنما يعتبر العصير وهي تسعة دوارق ، فكذلك هذا ، إلى هنا لفظه ( قوله وفيما اكتفينا به كفاية وهداية إلى تخريج غيرها من المسائل ) قلت : فيه إيهام لطيف لكتابيه المسمى أحدهما بكفاية المنتهى والآخر بالهداية