قال : ( وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها ، وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ ، وإن كان عمدا ففي مالها ) وهذا عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، لأن العفو عن اليد إذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه . ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا ، [ ص: 255 ] لا سيما على تقدير السقوط فيجب مهر المثل ، وعليها الدية في مالها لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى لكن عن القصاص في الطرف في هذه الصورة ، .
[ ص: 256 ] وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد . والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه . وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقع المقاصة إن كانا على السواء ، وإن كان في الدية فضل ترده على الورثة ، وإن كان في المهر فضل يرده الورثة عليها ، وإذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد ، وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل ، كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها . ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ والمهر لها . .
( قوله ثم القطع إن كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا ) قال جماعة من الشراح : فإن قيل ; القصاص لا يجري بين [ ص: 255 ] الرجل والمرأة في الأطراف فكيف يكون هذا تزوجا على القصاص .
قلنا : الموجب الأصلي في العمد القصاص قضية لإطلاق قوله تعالى { والجروح قصاص } إلا أنه تعذر الاستيفاء لقيام المانع وهو التفاوت بين طرفي الرجل والمرأة انتهى .
أقول في الجواب نظر ، لأن إطلاق قوله تعالى { والجروح قصاص } لمثل ما نحن فيه ممنوع ، فإن القصاص ينبئ عن المماثلة ، وما لا يمكن فيه المماثلة لا يتصور فيه القصاص ، وعن هذا إذا قطع رجل يد رجل عمدا من غير المفصل لا يجب القصاص لعدم إمكان اعتبار المماثلة ، وقد حقق المصنف هذا المعنى في أول باب القصاص فيما دون النفس بصدد الاستدلال بقوله تعالى { والجروح قصاص } على وجوب القصاص في قطع يد غيره عمدا من المفصل ، وقد تقرر فيما مر أنه لا مماثلة بين الرجل والمرأة في الأطراف فلا يندرج في قوله تعالى { والجروح قصاص } ولئن سلم ذلك لزم أن ينتقض الجواب المذكور بما إذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده فاقتصر القطع فإنه تصح التسمية فيه ، ويصير أرش اليد وهو خمسة آلاف درهم مهرا لها بالإجماع ، صرح به الشراح قاطبة في أول هذه المسألة ، وعزاه جماعة منهم إلى الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي ، وقالوا : أشار إليه المصنف بقوله ثم مات ، ولو كان الموجب الأصلي هو القصاص في العمد الواقع بين أطراف الرجل والمرأة أيضا لزم أن يكون التزوج في صورة الاقتصار أيضا تزوجا على القصاص ، فلزم أن لا يتم ما صرحوا به من صحة التسمية ولزوم الأرش مهرا لها بالإجماع في تلك الصورة كما لا يخفى .
وقال صاحب العناية وتاج الشريعة : فإن قيل : الواجب في الأطراف بين الرجل والمرأة هو الأرش وأرش اليد معلوم وهو خمسمائة دينار فما المانع أن يكون هو المهر ؟ قلنا : أرش اليد ليس بمتعين لجواز أن يكون خمسة آلاف درهم فيكون مجهولا فيجب مهر المثل انتهى . أقول : في جواب هذا السؤال أيضا نظر ، فإنه ينتقض أيضا قطعا بالتزوج على يده في صورة الاقتصار ، فإن أرش اليد يصير مهرا لها هناك بالإجماع كما صرحوا به مع تحقق الجهالة الناشئة من عدم تعين أرش اليد هناك أيضا .
ثم أقول : لو قال المصنف في تعليل صورة العمد أيضا من مسألتنا هذه مثل ما قاله في صورة الخطإ منها من أنه يكون هذا تزوجا على أرش اليد ، إذ القصاص لا يجري في الأطراف بين الرجل والمرأة في العمد أيضا عندنا ، وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فوجب مهر المثل لصح وكان سالما عن أن يرد عليه السؤالان المذكوران ولم [ ص: 256 ] يحتج إلى جوابيهما المذكورين في الشروح المختلين كما بيناه آنفا ( قوله وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو فيجب الدية ) قال في النهاية : فإن قلت : لم لم يجب القصاص هاهنا على المرأة مع أن القطع كان عمدا وهو قتل من الابتداء ، فإنه لما مات ظهر أن الواجب هو القصاص وهو لم يجعل القصاص مهرا لأن القصاص لا يصلح مهرا لأنه ليس بمال والمهر يجب أن يكون مالا ، ولما لم يصلح القصاص مهرا صار كأنه تزوجها ولم يذكر شيئا وفيه القصاص فكذا هنا .
قلت : نعم كذلك ، إلا أنه لما جعل القصاص مهرا جعل ولاية استيفاء القصاص للمرأة ، ولو استوفت المرأة القصاص إنما تستوفي عن نفسها لنفسها ، وذلك محال لأن الإنسان لا يتمكن من الاستيفاء عن نفسه لنفسه ، لأن الشخص الواحد لا يصلح أن يكون مطالبا للقصاص ومطالبا به فسقط القصاص لاستحالة الاستيفاء ، ولما سقط القصاص بقي النكاح بلا تسمية فيجب مهر المثل كما إذا لم يسم ابتداء انتهى . أقول : لا السؤال شيء ولا الجواب .
أما الأول فلأن وجه عدم وجوب القصاص هاهنا على المرأة ظاهر من قول المصنف ، والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه ، فإنه إشارة إلى ما ذكره فيما قبل من أن وجوب الدية هاهنا دون القصاص على موجب الاستحسان ، فإن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود فلم يبق محل للسؤال عن لمية عدم وجوب القصاص هاهنا على المرأة ، وأما الثاني فلأن القصاص الذي جعل مهرا وجعل ولاية استيفائه للمرأة إنما هو قصاص اليد دون قصاص النفس كما أفصح عنه قول المصنف فيما قبل يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف ، وإذا سرى تبين أنه قتل النفس فلم يتناوله ولاية المرأة للعلة التي ذكرها المصنف في عدم تناوله العفو الذي تضمنه التزوج ، فبقي السؤال عن وجه عدم وجوب قصاص النفس على المرأة بعد أن تبين أن قطعها صار قتل النفس ولغا ما ذكر في الجواب المزبور ، إذ لم يجعل حد ولاية استيفاء قصاص النفس للمرأة قط حتى يلزم من وجوب قصاص النفس عليها استيفاؤها القصاص عن نفسها لنفسها