[ ص: 279 ] فصل فيما دون النفس قال : ( وفي النفس الدية ) وقد ذكرناه . قال ( وفي المارن الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي الذكر الدية ) والأصل فيه ما روى nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=47286 : في النفس الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي المارن الدية } وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن حزم رضي الله عنه . والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال يجب كل الدية لإتلافه النفس من وجه وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي . أصله قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها في اللسان والأنف ، وعلى هذا تنسحب فروع كثيرة فنقول : في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود ، وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة لما ذكرنا ، ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد ، وكذا اللسان لفوات منفعة مقصودة وهو [ ص: 280 ] النطق ، وكذا في قطع بعضه إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وإن كانت الآلة قائمة ، ولو قدر على التكلم ببعض الحروف قيل : تقسم على عدد الحروف ، وقيل : على عدد حروف تتعلق باللسان ; فبقدر ما لا يقدر تجب ، وقيل : إن قدر على أداء أكثرها تجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلال ، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام ، وكذا الذكر لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة ، وكذا في الحشفة الدية كاملة ، لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له . .
[ ص: 279 ] ( فصل الدية فيما دون النفس )
لما ذكر حكم الدية في النفس ذكر في هذا الفصل حكمها فيما دون النفس لأن الأطراف تابعة للنفس فأتبع ذكر حكمها أيضا تحقيقا للمناسبة ( قوله أصله قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها في اللسان والأنف ) قال في الكافي وغاية البيان : فقسنا عليه غيره إذا كان في معناه انتهى .
أقول : فيه نظر ، لأن الدية من المقدرات الشرعية والقياس لا يجري فيها على ما عرف [ ص: 280 ] فالصواب عندي هنا أن يقال : فألحقنا به غيره دلالة ( قوله ولو قدر على التكلم ببعض الحروف قيل تقسم على عدد الحروف ، وقيل على عدد حروف تتعلق باللسان فبقدر ما لا يقدر تجب ) قال جمهور الشراح : والحروف التي تتعلق باللسان هي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون انتهى . وقال صاحب العناية بعد نقل ذلك عن النهاية : وفي كون الألف من ذلك نظر ، لأنه من أقصى الحلق على ما عرف انتهى .
أقول : نظره ساقط إذ الظاهر أن مراد جمهور الشراح بالألف والتاء والثاء وغيرها مما ذكروا هو الألفاظ التي يتهجى بها لا الحروف المبسوطة التي يتركب منها الكلم ، والذي من أقصى الحلق إنما هو الحرف الذي يقع جزء الكلم كما في أول أخذ وأوسط سأل وآخر قرأ ; لا الحرف الذي يتهجى به وهو لفظ ألف إذ هو مركب من ثلاثة أجزاء متعلق باللسان بواسطة جزئه الأوسط الذي هو اللام ، فمنشأ نظر صاحب العناية عدم وقوفه على مرادهم ، كيف ولو كان مرادهم ما توهمه لذكروا الهمزة بدل الألف كما لا يخفى .
فإن قلت : الألفاظ التي يتهجى بها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي ركبت منها الكلم كما حققه صاحب الكشاف في أول سورة البقرة ، وجمهور الشراح إنما عدوا الألف ونظائره من الحروف التي تتعلق باللسان فكيف يصح أن يكون مرادهم بذلك [ ص: 281 ] ما يتهجى به من الألفاظ ؟ قلت : قد وقع في عبارات المتقدمين إطلاق الحروف على تلك الألفاظ مسامحة استعمالا للحرف في معنى الكلمة كما نص عليه أيضا صاحب الكشاف هناك وكلام هؤلاء الشراح هاهنا ، بل كلام المصنف أيضا جار على ذلك الاصطلاح الشائع فيما بين القوم ولهذا يقولون لها حروف التهجي .
فإن قلت : لم لم يريدوا بالحروف هاهنا الحروف المبسوطة التي يتركب منها الكلم ولم يخرجوا الألف من عداد الحروف التي تتعلق باللسان ؟ قلت : لعل سر ذلك أن الفائت من الحروف إنما يعرف بالامتحان ، والامتحان إنما يكون في العادة بحروف التهجي كما وقع بها في قصة nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، وهي ما روي أن رجلا قطع طرف لسان رجل في زمن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فأمره أن يقرأ أ ب ت ث فكلما قرأ حرفا أسقط من الدية بقدر ذلك ، وما لم يقرأ أوجب من الدية بحسابه وهو الأصل في هذا الباب كما صرح به في الشروح وغيرها ، فجروا هاهنا في العبارة والإرادة على وفق ذلك تأمل تقف