. قال ( ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو بنى دكانا فلرجل من عرض الناس أن [ ص: 307 ] ينزعه ) لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه فكان له حق النقض ، كما في الملك المشترك فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا فكذا في الحق المشترك . قال : ( ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين ) لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فليلحق ما في معناه به ، إذ المانع متعنت ، فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=30905لا ضرر ولا ضرار في الإسلام } قال : ( وليس لأحد من أهل الدرب الذي ليس بنافذ أن يشرع كنيفا أو ميزابا إلا بإذنهم ) لأنها مملوكة لهم ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال ، فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم . وفي الطريق النافذ له التصرف إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل ، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كي لا يتعطل عليه طريق الانتفاع ، ولا كذلك غير النافذ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما . .
لما فرغ من بيان أحكام القتل مباشرة شرع في بيان أحكامه تسبيبا ، وقدم الأول لكونه أصلا لأنه قتل بلا واسطة ولكونه [ ص: 307 ] أكثر وقوعا فكانت أمس حاجة إلى معرفة أحكامه ( قوله ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فليلحق به ما في معناه إذ المانع متعنت ) أقول : هذا المقام محل الكلام ، فإن المدعى هنا وهو إباحة الانتفاع بالأمور المذكورة آنفا للذي عملها ما لم يضر بالمسلمين مسألة متفق عليها بين الأئمة ، ودليله المذكور في الكتاب لا يتمشى إلا على أصل nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد .
أما أولا فلأن قوله فليلحق به ما هو في معناه ليس بتام على أصل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله ، إذ قد صرح في الشروح وعامة المعتبرات أن أصلهما أن لكل أحد من عرض الناس مسلما كان أو ذميا أن يمنع العامل من الوضع سواء كان [ ص: 308 ] فيه ضرر أو لم يكن إذا أراد الوضع بغير إذن الإمام ، لأن فيه الافتيات على رأي الإمام فيما إليه تدبيره ، فلكل أحد أن ينكر عليه ; فظهر منه أن عمل ذلك والانتفاع به يشتمل على أمر منكر على أصلهما وهو الافتيات على رأي الإمام فيما إليه تدبيره وإن لم يضر بالمسلمين ، فلم يتصور عندهما أن يكون ذلك في معنى المرور الذي لا يشتمل على أمر منكر أصلا حتى يصح إلحاق ذلك به ، وأما ثانيا فلأن قوله إذ المانع متعنت ليس بتام أيضا على أصلهما قطعا ، إذ لو صح عندهما كون المانع متعنتا لما ذهب إلى جواز منعه شرعا وقد عرفت كون مذهبهما ذلك ودليلهما الذي أقاما عليه فتبصر .