قال ( ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية فعلى المولى قيمته بينهما نصفان ) لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ( ثم يرجع بقيمته على الغاصب ) لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب ( فيدفع نصفها إلى الأول ) لأنه استحق كل القيمة ، لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره ، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد . قال ( ويرجع به على الغاصب ) لأن الاستحقاق بسبب كان في يده ويسلم له ، ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ، ولا إلى ولي الجناية الثانية لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه . ثم قيل : هذه المسألة على الاختلاف كالأولى ، وقيل على [ ص: 370 ] الاتفاق . والفرق nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد أن في الأولى الذي يرجع به عوض عما سلم لولي الجناية الأولى لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك ، فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق ، فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه .
( باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك ) ( قوله ولا إلى ولي الجناية الثانية لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول ) أقول : لقائل أن يقول : إن كان حق ولي الجناية الثانية يتعلق رأسا بنصف [ ص: 370 ] القيمة لا بكلها كما هو الظاهر من قوله لأنه لا حق له إلا في النصف ينبغي أن لا تكون التي وجبت على المولى بين ولي الجنايتين نصفين كما هو المذكور في وضع المسألة ، بل ينبغي أن يكون بينهما أثلاثا : ثلثاه لولي الجناية الأولى ، وثلثه لولي الجناية الثانية لأن حق ولي الجناية الأولى قد تعلق بكل القيمة كما صرح به المصنف فيما قبل حيث قال : لأنه استحق كل القيمة ، وعلى تقدير أن يتعلق حق ولي الجناية الثانية بنصف القيمة يكون حقه في القيمة نصف حق ولي الجناية الأولى فينبغي أن يتضاربا في القيمة بقدر حقيهما فيها ، إذ قد مر في الفصل السابق أن جنايات المدبر إذا توالت لا توجب إلا قيمة واحدة لأنه لا منع من المولى إلا في رقبة واحدة ، وأولياء الجنايات يتضاربون بالحصص فيها وإن كان حق ولي الجناية الثانية يتعلق أيضا بكل القيمة ، ولكن يسقط نصفها بالتزاحم فيكون حقه الباقي له نصفها ، وكان هذا هو المراد بقول المصنف لا حق له إلا في النصف ينبغي أن يدفع المولى ما يرجع به على الغاصب ثانيا إلى ولي الجناية الثانية ، لأن حقه كان في كل القيمة كون الجناية الأولى ، إلا أنه سقط نصفها بالتزاحم ، فلما اندفع التزاحم بوصول حق ولي الجناية الأولى إليه بتمامه كان ينبغي أن يعود حق ولي الجناية الثانية في النصف الساقط بالتزاحم إليه كحق ولي الجناية الأولى .
ثم أقول : يمكن أن يجاب بأن يختار الشق الثاني ، ويقال في الفرق بين ولي الجنايتين : إن حق الأول يتعلق بكل القيمة ثم ينتقص نصفها بتزاحم الثاني من بعد ذلك ولكن لا يسقط بالكلية وحق الثاني أيضا يتعلق بكلها ولكن يسقط نصفها بالكلية بتزاحم الأول ، وذلك لأنه لا حق لغير الأول عند وجود الجناية الأولى ، فانعقدت سببا موجبا لاستحقاق كل القيمة ، وانتقاص حقه إنما كان يعارض حدوث المزاحمة بعد ذلك ، بخلاف الجناية الثانية فإنها وجدت والمزاحم مقارن فلم تنعقد سببا موجبا لاستحقاق الزائد على النصف فسقط ما وراء النصف والساقط متلاش فلا يعود كما تقرر عندهم ، ومر في مواضع شتى من الكتاب ، هذا غاية ما تيسر من الكلام في توجيه المقام .
( قوله فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه ) قال صاحب العناية : فيه نظر ، فإن الجناية [ ص: 371 ] الثانية وإن حصلت في يد الغاصب لكن أخذ المولى منه حقها أول مرة ولم يبق لوليها استحقاق حتى يجعل المأخوذ من الغاصب ثانيا في مقابلة ما أخذه ا هـ .
أقول : هذا النظر ناشئ من غلط في استخراج مراد المصنف رحمه الله ، فإن الشارح المذكور زعم أن مراد المصنف بما يجعل عوضا عن الجناية الثانية في قوله يمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية هو الذي يرجع به المولى على الغاصب ثانيا فبنى نظره المزبور عليه ، ولا شك أن مراد المصنف بذلك هو الذي يرجع به المولى على الغاصب أول مرة ، وهو النصف الذي كان حقا لولي الجناية الثانية ورجع به المولى على الغاصب أول مرة في ضمن رجوعه عليه بالكل فلا اتجاه أصلا لما قال ، وماذا بعد الحق إلا الضلال .