( قوله لانعدام التمليك وهو الركن ) فإن الله تعالى سماها صدقة ، وحقيقة الصدقة تمليك المال من الفقير ، وهذا في البناء ظاهر وكذا في التكفين لأنه ليس تمليكا للكفن من الميت ولا [ ص: 268 ] الورثة ، ولذا لو أخرجت السباع الميت فأكلته كان الكفن لصاحبه لا لهم .
( قوله : لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه ) ولذا لو تصادق الدائن والمديون على أن لا دين كان للمزكي أن يسترد من القابض ، ومحمل هذا أن يكون بغير إذن الحي ، أما إذا كان بإذنه وهو فقير فيجوز عن الزكاة على أنه تمليك منه والدائن يقبضه بحكم النيابة عنه ثم يصير قابضا لنفسه .
وفي الغاية نقلا من المحيط والمفيد : لو قضى بها دين حي أو ميت بأمره جاز ، ومعلوم إرادة قيد فقر المديون ، وظاهر فتاوى قاضي خان يوافقه ، لكن ظاهر إطلاق الكتاب وكذا عبارة الخلاصة حيث قال : لو بنى مسجدا بنية الزكاة أو حج أو أعتق أو قضى دين حي أو ميت بغير إذن الحي لا يجوز عدم الجواز في الميت مطلقا ; ألا ترى إلى تخصيص الحي في حكم عدم الجواز بعدم الإذن وإطلاقه في الميت وقد يوجه بأنه لا بد من كونه تمليكا للمديون والتمليك لا يقع عند أمره بل عند أداء المأمور وقبض النائب ، وحينئذ لم يكن المديون أهلا للتمليك لموته .
وقولهم : الميت يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من جهازه ونحوه حاصله بقاؤه بعد ابتداء ثبوته حالة الأهلية ، وأين هو من حدوث ملكه بالتمليك والتملك ولا يستلزمه .
وعما قلنا يشكل استرداد المزكي عند التصادق إذا وقع بأمر المديون لأن بالدفع وقع الملك للفقير بالتمليك وقبض النائب : أعني الفقير . وعدم الدين في الواقع إنما يبطل به صيرورته قابضا لنفسه بعد القبض نيابة لا التمليك ، الأول لأن غاية الأمر أن يكون ملك فقيرا على ظن أنه مديون وظهور عدمه لا يؤثر عدمه بعد وقوعه لله تعالى . وإذا لم يكن له أن يسترد من الفقير إذا عجل له الزكاة ثم تم الحول ولم يتم النصاب المعجل عنه لزوال ملكه بالدفع ، فلأن لا يملك الاسترداد هنا أولى ، بخلاف ما إذا عجل للساعي والمسألة بحالها حيث له أن يسترد لعدم زوال الملك على ما قدمناه ، وكذا ما ذكر في الخلاصة والفتاوى ، لو جاء الفقير إلى المالك بدراهم ستوقة ليردها فقال المالك : رد الباقي فإنه ظهر أن النصاب لم يكن كاملا فلا زكاة علي ليس له أن يسترد إلا باختيار الفقير فيكون هبة مبتدأة من الفقير حتى لو كان الفقير صبيا لم يجز أن يأخذه منه وإن رضي فهنا أولى .