فصل
فيما يستفاد بتهذيب الألفاظ وما تكون الثمرة الحاصلة عند تقويم اللسان
اعلم أن المستفاد بذلك التدبر لمعاني كتاب الله تعالى، والتفكر في غوامضه، والتبحر في مقاصده، وتحقيق مراده - جل اسمه - من ذلك. فإنه تعالى قال:
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29]، وذلك أن الألفاظ إذا أجليت على الأسماع في أحسن معارضها، وأحلى جهات النطق بها، حسبما حث عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=667266 "زينوا القرآن بأصواتكم"
- كان تلقي القلوب وإقبال النفوس عليها بمقتضى زيادتها في الحلاوة والحسن، على ما لم يبلغ ذلك المبلغ منها، فيحصل حينئذ الامتثال لأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والرغبة في وعده، والرهبة من وعيده، والطمع في ترغيبه، والارتجاء بتخويفه، والتصديق بخبره، والحذر من إهماله، ومعرفة الحلال والحرام.
وتلك فائدة جسيمة، ونعمة لا يهمل ارتباطها إلا محروم، ولهذا المعنى شرع
الإنصات إلى قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، [ ص: 45 ] وندب
الإصغاء إلى الخطبة في يوم الجمعة، وسقطت القراءة عن المأموم ما عدا الفاتحة، ومن أجل ذلك دأب الأئمة في السكوت على التام من الكلام، أو ما يستحسن الوقف عليه، لما في ذلك من سرعة وصول المعاني إلى الأفهام، واشتمالها عليها، بغير مقارعة للفكر، ولا احتمال مشقة لا فائدة فيها غير ما ذكرناه. وبالله التوفيق.
[ ص: 46 ]