[ ص: 613 ] الفصل الخامس
في بيان حكم
قطع القراءة في سور التكبير وغيرها في الصلاة وخارجها .
المراد بسور التكبير سور الختم من آخر الضحى إلى آخر الناس أو من أول ألم نشرح إلى أول الناس كما مر . والمراد بغيرها سائر سور التنزيل . وهذا بحث هام يجب فهمه جيدا لما يترتب عليه من أحكام للتكبير يجب مراعاتها حال قطع القراءة سواء أكان ذلك في الصلاة أم في خارجها . وقد تكلم في هذه المسألة المتقدمون والمتأخرون من أئمتنا وحاصل ما فيها بإيجاز غير مخل . . ليسهل فهمها على القارئ فيعمل بها حال الأداء على أي حال .
فإذا أراد القارئ قطع قراءته في سور الختم خارج الصلاة فعليه أن يعتبر ما ذكرناه آنفا في الفصل الثاني من أن التكبير إما أن يكون لأول السورة وإما أن يكون لآخرها، فإن اعتبره لأولها قطع قراءته على آخر السورة السابقة بدون تكبير . فإذا استأنف قراءته بعد ابتداء السورة اللاحقة بالتكبير ويستوي في ذلك إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل فقط أو بالتهليل مع التحميد مقصورا أو موسطا، ويجوز حينئذ أوجه الابتداء بالاستعاذة مع التكبير التي تقدم ذكرها .
وإن اعتبر التكبير لآخر السورة كبر آخرها وقطع قراءته . فإذا استأنف القراءة بعد ابتداء السورة التالية بدون تكبير ويجوز له عند تكبيره لآخر السورة وصل آخر السورة بالتكبير موقوفا عليه مفردا كان أو مقرونا بالتهليل وحده أو بالتهليل والتحميد مقصورا وموسطا . فالأوجه عندئذ خمسة ويراعى في ذلك أيضا سجدة التلاوة في آخر سورة العلق فإن كان قد اعتبر التكبير لآخر السورة فإنه يكبر للسجدة بعد انتهاء سورة العلق ثم بعد انتهائه منها يكبر لأول سورة القدر، وإن كان قد اعتبر التكبير لآخر السورة كبر أولا لآخر سورة العلق ثم يكبر ثانيا للسجدة، ثم بعد انتهائه من السجدة يفتتح سورة القدر بدون تكبير .
[ ص: 614 ] هذا إذا كان قطع القراءة في سور الختم .
أما إذا كان القطع في غيرها من سور التنزيل فواضح أن التكبير في هذا الموطن لم يكن لآخر السورة . فإذا قطع القارئ قراءته مثلا على آخر سورة النساء ثم استأنف قراءته فيما بعد افتتح سورة المائدة بالتكبير إذا كان آخذا بوجه التكبير العام ويراعى في ذلك أيضا سجدة التلاوة كما في آخر الأعراف والنجم، والحكم حينئذ أنه يكبر للسجدة آخر سورة الأعراف أو آخر سورة النجم ثم بعد انتهائه من السجدة يفتتح سورة الأنفال أو سورة القمر بالتكبير لأن المعتبر الآن أن التكبير في هذا الموطن لأول السورة اللاحقة .
هذا حاصل ما في المسألة إذا كان القارئ قد قطع قراءته في سور الختم أو في غيرها من السور خارج الصلاة .
أما إذا كان قطع قراءته وهو متلبس بالصلاة ففيه التفصيل السابق أيضا وحاصله إذا كان في سور الختم واعتبر القارئ التكبير لأول السورة فإنه يقطع قراءته على آخر السورة السابقة بدون تكبير ثم يكبر للركوع فإذا قام إلى الركعة الثانية ابتدأ السورة التالية بعد الفاتحة بالتكبير، ويستوي في هذا التكبير المفرد أو المقترن بالتهليل وحده أو بالتهليل مع التحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصورا أو موسطا .
وهل يكبر في هذه الصلاة تكبيرة لأول الفاتحة ثم يكبر ثانيا لأول السورة التالية بعدها لأن التكبير الآن لأول السورة؟ قولان :
أولهما : أن التكبير يجوز في أول الفاتحة ثم في أول السورة التي بعدها أيضا نص على ذلك العلامة الشيخ
أحمد شرف الأبياري في " غيث الرحمن شرح هبة المنان " وعبارته في هذه الصورة " فأت بتكبيرة الركوع أولا ثم بعد قيامك من الركعة فأت بتكبيرة أول السورة سواء كانت الفاتحة أو غيرها " ا هـ منه بلفظه .
[ ص: 615 ] ثاني القولين : أن التكبير لا يكون إلا في السورة التالية بعد الفاتحة فقط نص على ذلك شيخ شيوخنا العارف بالله تعالى سيدي الشيخ
مصطفى الميهي رضي الله عنه في " فتح الكريم الرحمن " وعبارته رحمه الله " أو يكبر للركوع ثم يكبر بعد الفاتحة لابتداء السورة على القول الآخر " ا هـ منه بلفظه وقوله على القول الآخر أي على القول بأن التكبير لأول السورة . وكلا القولين صحيح في هذه الصورة فحسب فتنبه .
أما إذا كان القارئ قد اعتبر التكبير لآخر السورة فإنه يكبر في آخرها أولا ثم يكبر للركوع ثانيا، فإذا قام إلى الركعة الثانية افتتح السورة التالية بعد الفاتحة بدون تكبير ولا يكبر في هذه السورة في أول الفاتحة بالاتفاق لأن المعتبر الآن أن التكبير لآخر السورة . ويراعى في ذلك سجدة التلاوة أيضا في آخر سورة العلق . فإن اعتبر القارئ التكبير لأول السورة فإنه يكبر للسجدة بعد انتهاء سورة العلق ثم بعد الانتهاء من السجدة يكبر لأول سورة القدر . وإن اعتبر التكبير لآخر السورة كبر أولا لآخر سورة العلق ثم يكبر ثانيا للسجدة ثم بعد انتهائه منها يفتتح سورة القدر من غير تكبير ويستوي في كل ما ذكر إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل وحده أو بالتهليل مع التحميد مقصورا أو موسطا .
وإذا كان القطع بغير سور الختم فمن المتفق عليه أن التكبير في هذا الموطن لم يكن لآخر السورة كما مر . فإذا قطع القارئ قراءته على آخر سورة البقرة مثلا وهو في الصلاة كبر للركوع كالعادة ثم بعد قيامه للركعة الثانية يفتتح بعد الفاتحة سورة آل عمران بالتكبير إذا كان آخذا بوجه التكبير العام . وهل يكبر في هذه الصورة تكبيرا لأول الفاتحة أولا ثم يكبر ثانيا لأول السورة التالية بعدها؟ نعم يجوز أن يكبر لأول الفاتحة لأن المعتبر الآن أن التكبير لأول السورة التالية لأن السابقة قطع عليها للركوع بدون تكبير، هذا هو الظاهر ، والله أعلم .
ويراعى في ذلك سجدة التلاوة أيضا في آخر الأعراف والنجم . والحكم حينئذ أن يكبر لسجدة التلاوة في آخر الأعراف أو آخر النجم ثم بعد الانتهاء منها
[ ص: 616 ] يفتتح سورة الأنفال أو سورة القمر بالتكبير . وقد أشار إلى ما قلناه في هذا الفصل نظما غير واحد من الثقات الجهابذة الأثبات . وإليك أخصره للعلامة الطباخ في هبة المنان فقد قال رحمه الله تعالى :
ومن رأى التكبير آخرا وقد أراد قطعا دون بدء اعتمد وللركوع والسجود كبرا
أخرى وعكسه لمن بدأ يرى
ا هـ
وهأنذا أزيدك توضيحا لهذا النظم البديع في بابه العظيم في استيعابه، فقد أشار رحمه الله تعالى في البيت الأول إلى أنك إذا رأيت أن التكبير لآخر السورة وأردت القطع فاعتمد التكبير لآخر السورة أي كبر لآخر السورة السابقة دون الابتداء بالتكبير لأول اللاحقة ... وهذا كله إذا كان القطع خارج الصلاة .
أما إذا كان القطع فيها فأشار بقوله رحمه الله : " وللركوع والسجود كبرا أخرى " ومعناه إذا كنت متلبسا بالصلاة وأردت القطع وقد اعتمدت التكبير لآخر السورة أيضا فكبر لآخر السورة السابقة ثم كبر تكبيرة أخرى للركوع . وهذا إذا لم يكن هناك سجود للتلاوة . فإن كان كما في آخر العلق فاعتمد التكبير لآخر السورة أيضا ثم كبر تكبيرة أخرى لسجود التلاوة . وعليه : فإن كلمة " أخرى " في النظم هي صفة لتكبيرة الركوع ولتكبيرة السجود كذلك، وكأنه يقول رحمه الله تعالى - كبرن تكبيرة أخرى للركوع بعد تكبيرة آخر السورة وكبرن أيضا تكبيرة أخرى لسجود التلاوة بعد تكبيرة آخر السورة كذلك . وعلى كلتا الحالتين أي حالة القطع في الصلاة أو في خارجها فالابتداء بالسورة التالية يكون بدون تكبير لأن المعتمد في هذه الصورة أن التكبير لآخر السورة السابقة فتأمل . وقوله رحمه الله : " وعكسه لمن بدأ يرى " أي وعكس ما ذكر في الصورة السابقة من أن التكبير فيها لآخر السورة السابقة يظهر لمن يرى العكس وهو كون التكبير لأول السورة اللاحقة فإن كان كذلك فالأمر بعكس ما ذكر في الصورة الأولى وقد مر كيفية ذلك بإسهاب سواء أكان القطع في الصلاة أم في خارجها وسواء أكان ذلك في سور الختم أم
[ ص: 617 ] في غيرها من باقي سور التنزيل . فتفطن لما ذكرناه جيدا في هذه المسألة وغيرها مما أوردناه في التكبير عامة فقد لا تجده مجموعا في غيره بهذه الكيفية والله يرشدني وإياك إلى الصراط السوي فإنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .