[ ص: 112 ] الفصل الثاني
في الكلام على الحروف المرققة قولا واحدا
الحروف المرققة قولا واحدا هي حروف الاستفال، وهي الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الاستعلاء السبعة المتقدم ذكرها غير مرة باستثناء ألف المد والراء واللام من لفظ الجلالة خاصة في بعض الأحوال، كما سيأتي، إلا أن هناك حروفا مستفلة فيها الترقيق آكد؛ لأن اللسان قد يسبق إلى تفخيمها.
فمن هذه الحروف الهمزة عند الابتداء في لفظ الحمد، وكذلك إذا جاورت العين المهملة في لفظ:
أعوذ [الناس: 1] والهاء من لفظ
اهدنا [الفاتحة: 6] وكذلك لفظ الجلالة "الله" وحاصله أن الهمزة ترقق مطلقا، سواء كانت همزة وصل مبتدأ بها أو همزة قطع مرققة وجوبا، سواء جاورها حرف مفخم أو مرقق.
ومنها اللام في غير لفظ الجلالة الآتي ذكرها بعد، وهي في خمسة مواضع: لام الجر الداخلة على لفظ الجلالة نحو:
ولله الأسماء الحسنى [الأعراف: 180] واللام في لفظ
لنا [التوبة: 51] ومن لفظ
وليتلطف [الكهف: 19] لمجاورتها الطاء المفخمة مع المحافظة على سكون اللام الأولى مرققة، واللام من "على" في نحو قوله تعالى:
وعلى الله قصد السبيل [النحل: 9] لمجاورتها لام الجلالة المفخمة، واللام من "ولا" في قوله تعالى:
ولا الضالين [الفاتحة: 7] من قوله
صراط الذين [الفاتحة: 7] الآية، ونحوها.
وحاصله أن
[ ص: 113 ] اللام مرققة وجوبا فيما ذكر ونحوه لا مطلقا كما تقدم في الهمزة؛ إذ أن هناك لامات مفخمة وجوبا للكل، كاللام من لفظ الجلالة الواقعة بعد الفتح والضم كقوله تعالى:
لا إله إلا الله [محمد: 19]
محمد رسول الله [الفتح: 29] كما سيأتي ذلك قريبا، ومفخمة جوازا في نحو لفظ "الطلاق" [البقرة، الآية: 229] في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش من طريق
الأزرق بالشروط المذكورة في كتب القراءات.
ومنها الميم الأولى والثانية من
مخمصة [التوبة: 120] لمجاورتهما الخاء والصاد المفخمتين.
ومنها الباء الموحدة في أربع كلمات؛ باء
برق [البقرة: 19] لمجاورتها الراء المفخخة، وباء
وباطل [الأعراف: 139] لمجاورتها الطاء المفخمة أيضا، وباء
بهم [البقرة: 166]
وبذي [النساء: 36] لمجاورتهما الرخوي.
ثم إن الترقيق للباء والميم ليس قاصرا على ما ذكر من الأمثلة، بل هو عام في كل باء وميم حيث وقعتا، ولكن لا يبالغ في ترقيق الباء؛ لئلا تصير كأنها ممالة كما يفعله الكثير من القراء.
ومما يجب مراعاته في الباء وكذلك الجيم - بالإضافة إلى الترقيق فيهما - الحرص على صفتي الشدة والجهر اللتين فيهما ضمن ما اتصفتا به من الصفات؛ لئلا تشتبه الباء بالفاء والجيم بالشين.
فالباء في نحو قوله تعالى:
يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة: 165] وقوله عز شأنه:
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين [المؤمنون: 50]
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر: 3].
[ ص: 114 ] والجيم نحو قوله تعالى:
اجتثت من فوق الأرض [إبراهيم: 26] ونحو قوله تعالى:
وأذن في الناس بالحج [الحج: 27] وقوله سبحانه:
وقرآن الفجر [الإسراء: 78].
ومما يجب مراعاته أيضا في الباء والجيم - بجانب ما تقدم - تبيين صفة القلقلة حال سكونهما وخاصة في الوقف، وتقدم الكلام مستوفيا على ذلك في موضعه، فارجع إليه إن شئت.
ومما يجب البيان فيه بجانب الترقيق الحاء الأولى والثانية من لفظ
حصحص الحق [يوسف: 51] لمجاورتهما الصاد المفخمة، وكذلك لفظ
أحطت [النمل: 22] ولفظ الحق في نحو قوله:
الحق من ربك [البقرة: 147] لمجاورتهما الطاء والقاف المفخمتين.
ومما يجب البيان فيه بجانب الترقيق السين من كلمة
مستقيم [الشورى: 52] لمجاورتها التاء الشديدة، وكذلك من كلمتي
يسطون [الحج: 72] و
يسقون [القصص: 23] لمجاورتهما الطاء والقاف المفخمتين.
ثم إن التبيين للسين ليس قاصرا على هذه الأمثلة، بل هو عام في كل سين، سواء كانت ساكنة أو متحركة، وسواء جاورت حرفا مفخما أو مرققا نحو
[ ص: 115 ] بسطة [الأعراف: 69] و
مسطورا [الأحزاب: 6] و " القسطاس " [الإسراء: 35] و
تستطع [الكهف: 78] و
تسطع [الكهف: 82] و
أقسط [البقرة: 282] و
المقسطين [المائدة: 42] و
يسجد [النحل: 49] وما إلى ذلك.
قال الحافظ ابن الجزري في التمهيد: وإذا أتى لفظ هو بالسين يشبه لفظا هو بالصاد وجب بيان كل وإلا التبس نحو:
وأسروا [الأنبياء: 3] و
وأصروا [نوح: 7] و
يسحبون [غافر: 71] و
يصحبون [الأنبياء: 43] و
يسبحون [الشورى: 5] و
تصبحون [الروم: 17] و
قسمنا [الزخرف: 32] و
قصمنا [الأنبياء: 11] فلا بد من بيان صفيرها في انسفالها، اهـ بلفظه.
وقد أشار إلى ما تقدم ذكره الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
فرققن مستفلا من أحرف وحاذرن تفخيم لفظ الألف وهمز الحمد أعود اهدنا
الله ثم لام لله لنا
[ ص: 116 ] وليتلطف وعلى الله ولا الض والميم من مخمصة ومن مرض
وباء برق باطل بهم بذي فاحرص على الشدة والجهر الذي
فيها وفي الجيم كحب الصبر ربوة اجتثت وحج الفجر
وبينن مقلقلا إن سكنا وإن يكن في الوقف كان أبينا
وحاء حصحص أحطت الحق وسين مستقيم يسطو يسقو
ومما يجب مراعاته بجانب الترقيق أيضا الحرص على سكون اللام وإظهارها نحو:
جعلنا [هود: 82]
وأنـزلنا [البقرة: 57]
وأرسلنا [الأنعام: 6] ونحو:
ضللنا [السجدة: 10] وذلك لأن اللسان يسرع إلى إدغامها في النون لما بينهما من التقارب أو التجانس، وكذلك النون الساكنة من نحو:
أنعمت [الفاتحة: 7] ونحوها من كل نون ساكنة أتى بعدها حرف حلقي كما سيأتي بيانه في موضعه.
وكذلك الغين الساكنة من نحو:
المغضوب [الفاتحة: 7] احترازا من تحريكها، وهو لحن فظيع، ولا يخفى أن الغين هنا مفخمة من المرتبة الثانية لسكونها بعد فتح، كما مر آنفا، فتنبه.
ومما يجب مراعاته بجانب الترقيق أيضا تخليص انفتاح الذال المعجمة من
محذورا [الإسراء: 57] في قوله تعالى:
إن عذاب ربك كان محذورا [الإسراء: 57] لئلا تشتبه بالظاء من محظورا في قوله تعالى:
وما كان عطاء ربك محظورا [الإسراء: 20] وذلك لأن الذال
[ ص: 117 ] والظاء يخرجان من مخرج واحد، وكذلك تخليص انفتاح السين من لفظ عسى في نحو قوله تعالى:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [البقرة: 216] لئلا تشتبه بالصاد من عصى في نحو قوله تعالى:
فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا [المزمل: 16] وذلك لأن السين والصاد يخرجان من مخرج واحد أيضا، ولا يتميز كل حرف اتفق مع حرف في المخرج كهذه الأحرف إلا بتمييز الصفة، فسين "عسى" وذال "محذورا" منفتحتان، وصاد "عصى" وظاء "محظورا" مطبقتان، فينبغي أن يتخلص كل حرف من الآخر بانفتاح الفم في الانفتاح وانطباقه في الانطباق، وكذلك يفعل في كل حرفين متفقين في المخرج ومختلفين في الصفة.
ومما يجب مراعاته بجانب الترقيق مراعاة صفة الشدة التي في الكاف والتاء المثناة فوق، وذلك بمنع جريان النفس معهما مع ثباتهما في مخرجيهما قويتين، فالكاف نحو:
بشرككم [فاطر: 14] و
مناسككم [البقرة: 200] و
ما سلككم [المدثر: 42] و
إنك كنت [طه: 35] والتاء المثناة فوق نحو قوله تعالى:
الذين تتوفاهم الملائكة طيبين [النحل: 32] ونحو "فتنة" في قوله تعالى:
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [الأنفال: 25] وما إلى ذلك.
وهذا ما أشار إليه الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
واحرص على السكون في جعلنا أنعمت والمغضوب مع ضللنا
وخلص انفتاح محذورا عسى خوف اشتباهه بمحظورا عصى
وراع شدة بكاف وبتا كشرككم وتتوفى فتنتا
اهـ