[ ص: 118 ] الفصل الثالث
في الكلام على
الحروف المرققة تارة والمفخمة أخرى
وهذه الأحرف ثلاثة - الألف المدية - واللام من لفظ الجلالة خاصة، والراء. وهن من حروف الاستفال، ولكل كلام خاص نوضحه فيما يلي:
الكلام على الألف المدية وأحكامها
أما الألف المدية كـ
جاء [الأعراف: 143]
وقال [الأعراف: 142] فلا توصف بتفخيم ولا بترقيق، بل تابعة لما قبلها تفخيما وترقيقا، فإن وقعت بعد مفخم فخمت نحو: " ضاق " [هود: 77] و
طال [الأنبياء: 44] و
الراشدون [الحجرات: 7]
وقال الله [المائدة: 12].
وإن وقعت بعد مرقق رققت مثل
جاء [الزخرف: 63] و
شاء [البقرة: 255] و
بسم الله الرحمن الرحيم [النمل: 20] وما إلى ذلك، وهذا هو المعنى المراد من قول الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية:
.............. وحاذرن تفخيم لفظ الألف
فأكد التحذير من تفخيمها إذا جاورت حرفا مستفلا.
[ ص: 119 ] أما إذا جاورت حرفا مستعليا فالأمر على العكس.
الكلام على اللام من لفظ الجلالة وأحكامها
أما اللام من لفظ الجلالة - وإن زيد عليه الميم في آخره - فتفخم لكل القراء إذا وقعت بعد فتحة خالصة - سواء كانت حقيقة أو حكما - أو بعد ضمة.
أما وقوعها بعد الفتح الحقيقي فكثير نحو:
شهد الله [آل عمران : 18]
قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا [المائدة: 114]
لا إله إلا الله [محمد: 19]
محمد رسول الله [الفتح: 29].
وأما وقوعها بعد الفتح الحكمي ففي لفظي
آلله أذن لكم [يونس: 59] و
آلله خير أما يشركون [النمل: 59] على كلا الوجهين، أي الإبدال والتسهيل بين بين، وذلك لأن اللام هنا لم تقع بعد فتح حقيقي كما نحو: " قال الله " [المائدة: 12] وإنما وقعت بعد الهمزة المبدلة ألفا في وجه الإبدال، وبعد الهمزة المسهلة في وجه التسهيل، والألف المبدلة في حكم الفتحة؛ لأنها مبدلة من همزة الوصل المفتوحة في الأصل، وكذلك الهمزة المسهلة فإنها في حكم المتحركة بالفتح أيضا، فلهذا فخمت اللام في اللفظين على كلا الوجهين بلا خلاف للجميع.
وأما وقوعها بعد الضم فكثير كالفتح الحقيقي نحو:
محمد رسول الله [الفتح: 29]
وأنه لما قام عبد [الجن: 19]
رسل الله [الأنعام: 124]
قالوا اللهم [الأنفال].
[ ص: 120 ] فإذا ابتدئ باسم الجلالة فخمت لامه أيضا؛ لأن من شرط تفخيم اللام فيه تقدم الفتح عليها ولو في لفظ الجلالة نفسه كقوله تعالى:
الله لا إله إلا هو الحي القيوم [البقرة: 255].
هذا، ويجب الاحتراز من تفخيم الهاء من لفظ الجلالة في نحو:
إن الله غفور رحيم [البقرة: 199]
ولكن الله سلم [الأنفال: 43] فإنه خطأ ينزه عنه الاسم الكريم، وكثيرا ما يقع فيه بعض القراء، وقد أشار إلى شرطي التفخيم في لام لفظ الجلالة الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
وفخم اللام من اسم الله عن فتح أو ضم كـ" عبد الله "
اهـ كما أشار إلى ذلك الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12988ابن بري في الدرر بقوله رضي الله عنه:
وفخمت في الله واللهمه للكل بعد فتحة أو ضمة
اهـ
وفهم من قول هذين الإمامين: "وفخم اللام" وكذلك: "وفخمت" إلخ - أن هذه اللام لو وقعت بعد كسرة رققت للجميع، وهو كذلك بشرط أن تكون الكسرة خالصة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، أصلية كانت أو عارضة نحو:
بالله [النساء: 62]
ولله [آل عمران : 180]
يتلون آيات الله [آل عمران : 113]
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها [فاطر: 2]
قل اللهم [آل عمران : 26]
أحد الله الصمد [الإخلاص: 1 - 2] وما إلى ذلك.
وتقييدنا الفتحة في
[ ص: 121 ] شرط التفخيم والكسرة في شرط الترقيق بالخالصة فيهما؛ احترازا عن لام الجلالة الواقعة بعد الراء الممالة في أحد القولين في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14543السوسي عن
أبي عمرو البصري في نحو:
نرى الله [البقرة: 55]
وسيرى الله عملكم ورسوله [التوبة: 94] فإنه يجوز حينئذ ترقيق اللام لعدم وجود الفتحة الخالصة قبلها، وتفخيمها لعدم وجود الكسرة الخالصة قبلها كذلك، والله أعلم.
الكلام على الراء وأحكامها
أما الراء فإما أن تكون متحركة في الوصل والوقف، وإما أن تكون ساكنة في الوصل والوقف أيضا، وإما أن تكون متحركة في الوصل ساكنة في الوقف، ولكل حكم خاص نوضحه فيما يلي:
حكم الراء المتحركة في الوصل والوقف
وهذه الراء تقع أولا ووسطا، وتكون مفتوحة ومضمومة ومكسورة، فإن كانت مفتوحة أو مضمومة فلا خلاف في تفخيمها مخففة كانت أو مشددة، فمثال الراء المضمومة نحو:
كلما رزقوا [البقرة: 25]
والركع السجود [البقرة: 125] و
عشرون صابرون [الأنفال: 65]
لا يفلح الكافرون [المؤمنون: 117].
[ ص: 122 ] ومثال الراء المفتوحة نحو:
رأوا [الجمعة: 11]
مراء [الكهف: 22]
ظاهرا [الكهف: 22]
ومبشرا [الأحزاب: 45]
ونذيرا [الأحزاب: 45] و
الخيرات [البقرة: 148] و
الراشدون [الحجرات: 7].
وإن كانت مكسورة فلا خلاف في ترقيقها لجميع القراء، سواء كانت مخففة أو مشددة، وذلك نحو:
رجال [النور: 37] و
رئاء الناس [النساء: 38]
والصابرين [البقرة: 177]
وفي الرقاب والغارمين [التوبة: 60] وما إلى ذلك.
حكم الراء الساكنة في الوصل والوقف
وهذه الراء تقع متوسطة ومتطرفة.
فالمتوسطة نحو:
شرعة [المائدة: 48] و
فرقة [التوبة: 122] والمتطرفة كقوله تعالى:
قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر [المدثر: 2 - 5].
ولكل من الراء الساكنة المتوسطة والمتطرفة شروط للتفخيم والترقيق، نذكرها فيما يلي:
[ ص: 123 ] شروط الترقيق للراء الساكنة المتوسطة
ترقق الراء الساكنة في الحالين المتوسطة لجميع القراء بأربعة شروط، ولا بد من اجتماعها كلها في آن واحد، فإن تخلف شرط منها وجب تفخيمها.
فالشرط الأول: أن يكون قبل الراء كسرة.
والشرط الثاني: أن تكون هذه الكسرة أصلية.
والشرط الثالث: أن تكون الكسرة والراء في كلمة واحدة.
والشرط الرابع: أن يكون بعد الراء حرف من حروف الاستفال المتقدم ذكرها، وذلك نحو:
مرية [السجدة: 23] و
لشرذمة [الشعراء: 54]
فرعون [البقرة: 50] و
الفردوس [المؤمنون: 11] وهنا اجتمعت شروط الترقيق الأربعة في كل كلمة من هذه الكلمات، وتدرك بأدنى تأمل.
شروط التفخيم للراء الساكنة المتوسطة
تقدم في شروط الترقيق الأربعة للراء الساكنة في الحالين المتوسطة أنه إذا تخلف شرط منها وجب التفخيم، وبذلك تكون شروط التفخيم هنا للراء المتوسطة الساكنة في الحالين أربعة أيضا، وهي كما يلي:
الشرط الأول: أن يكون قبل الراء فتحة أو ضمة نحو:
لا ترفعوا [الحجرات: 2]
يرضونه [الحج: 59]
يرزقون [آل عمران : 169]
نرسل المرسلين [الأنعام: 48]
اركض [ص: 42] ابتداء، وهذا الشرط مقابل للشرط الأول من شروط الترقيق.
[ ص: 124 ] الشرط الثاني: أن يكون قبل الراء كسرة عارضة، سواء كانت هذه الكسرة مع الراء في كلمتها نحو:
ارجعوا [يوسف: 81]
اركعوا [الحج: 77] أم كانت منفصلة عنها نحو:
إن ارتبتم [الطلاق: 4]
أم ارتابوا [النور: 50] وهذا الشرط مقابل للشرط الثاني من شروط الترقيق.
الشرط الثالث: أن يكون قبل الراء كسرة أصلية منفصلة عنها نحو:
الذي ارتضى [النور: 55] وهذا الشرط مقابل للشرط الثالث من شروط الترقيق.
الشرط الرابع: أن يكون بعد الراء حرف من حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة نحو:
فرقة [التوبة: 122] وهذا الشرط مقابل للشرط الرابع من شروط الترقيق.
هذا، ويشترط لوجود حرف الاستعلاء بعد الراء لأجل تفخيمها شرطان:
الأول: أن يكون مع الراء في كلمتها.
الثاني: أن يكون غير مكسور، ووجد من ذلك - أي من حروف الاستعلاء - غير المكسورة ومع الراء في كلمتها ثلاثة أحرف وهي "الطاء"
في قرطاس [بالأنعام، الآية: 7] والصاد في " إرصادا " [بالتوبة، الآية: 107]
مرصادا [بالنبأ، الآية: 21] و
لبالمرصاد [بالفجر، الآية: 14] (والقاف) في
فرقة [بالتوبة، الآية: 122].
فإن انفصل حرف الاستعلاء عن الراء بأن كانت الراء في آخر الكلمة وحرف الاستعلاء في أول الكلمة الثانية فلا خلاف في ترقيقها لجميع القراء، والوارد من ذلك في القرآن الكريم ثلاثة مواضع وهي قوله تعالى:
أنذر قومك [نوح: 1]
ولا تصعر خدك [لقمان: 18]
فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 5].
أما إذا كان حرف الاستعلاء الذي
[ ص: 125 ] بعد الراء مكسورا ففي الراء خلاف بين أهل الأداء، فقال الجمهور بالترقيق، وقال بعض بالتفخيم، وهذا في كلمة "فرق" في قوله تعالى:
فكان كل فرق كالطود العظيم [الشعراء: 63] فمن فخم نظر إلى وجود حرف الاستعلاء بعد الراء على القاعدة السابقة، ومن رقق نظر إلى كسر حرف الاستعلاء؛ لأنه لما انكسر ضعفت قوته وصارت الراء متوسطة بين كسرين، وإلى هذا الخلاف أشار الحافظ
ابن الجزري بقوله في المقدمة الجزرية:
والخلف في فرق لكسر يوجد ...............
وقوله: "لكسر يوجد" أي في القاف: "والوجهان صحيحان مقروء بهما" لكل القراء، غير أن الترقيق هو المشهور والمقدم في الأداء، وحكى غير واحد الإجماع عليه كما في النشر، وغيث النفع، وتنبيه
[ ص: 126 ] الغافلين، وغيرها.
قال صاحب انشراح الصدور: قال
nindex.php?page=showalam&ids=12111الداني : والوجهان جيدان، والمأخوذ به الترقيق، نقله النويري في شرح الطيبة، فهو أولى بالعمل إفرادا وبالتقديم جمعا، اهـ بحروفه.
تنبيه: تقدم أن شروط الترقيق الأربعة للراء الساكنة المتوسطة لا بد من أن تكون كلها موجودة في آن واحد، أما شروط التفخيم الأربعة للراء ذاتها فليست كذلك، بل يكفي وجود واحد منها، ويكون مسوغا للتفخيم حينئذ فتأمل، والله الموفق.
الكلام على الراء المتطرفة الساكنة في الوصل والوقف
وهي نحو قوله تعالى:
واستغفر لذنبك [غافر: 55]
وأمر أهلك [طه: 132].
وهذه الراء ترقق بشرط واحد وهو وقوعها بعد كسرة كقوله تعالى:
قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر [المدثر: 2 - 4] ولا يضر وجود حرف الاستعلاء بعد الراء في هذا النوع؛ لأنه أصبح مفصولا عنها كما تقدم في نحو:
فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 5] وتفخم هذه الراء بشرطين:
أولهما: أن يقع قبلها فتحة نحو:
فلا تقهر [الضحى: 9]
فلا تنهر [الضحى: 10].
ثانيهما: أن يقع قبلها ضمة نحو:
فانظر كيف [النمل: 14]
والرجز فاهجر [المدثر: 5]
[ ص: 127 ] وهذان الشرطان مقابلان لشرط ترقيقها المتقدم آنفا.
هذا، ولم نشترط هنا في الكسرة التي قبل الراء - والتي هي شرط في ترقيقها - أن تكون مع الراء في كلمتها، إلى آخر ما تقدم في الراء الساكنة والمتوسطة؛ لأنه لا يتأتى هنا انفصال الكسرة عن الراء بحال؛ ولأنه لا توجد كلمة على حرف واحد هو الراء حتى تنفصل الكسرة عنها، فلهذا خلت الكسرة عن القيود السابقة، ولزمت الراء في كلمتها، انتهى بتصرف من كتابنا الطريق المأمون إلى أصول رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون ص (163) .
حكم الراء الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل
وهذه الراء لا تكون إلا متطرفة كما هو معلوم نحو:
قدر [القمر: 12] و
كفر [القمر: 14] و
ودسر [القمر: 13] و " للبشر " [المدثر: 31 و 36] و
النذر [القمر: 41] و
والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر [الفجر: 1 - 5] و
قدير [الممتحنة: 7] و
خبير [آل عمران: 180] و
ضير [الشعراء: 50] و
الخير [الحج: 77] و
النار [البقرة: 39]
[ ص: 128 ] و " القرار " [إبراهيم: 29، وغافر: 39] و
لغفور [فاطر: 34] و
شكور [فاطر: 34] وما إلى ذلك، ولكل من الترقيق والتفخيم في هذه الراء له شروط، نوضحها فيما يلي:
شروط الترقيق
شروط الترقيق لهذه الراء ثلاثة، وهي كالآتي:
الأول: أن تسبق الراء كسرة نحو:
قدر [القمر: 12] و
كفر [القمر: 14] و
الأشر [القمر: 26] وإذا تخلل بين الكسرة والراء ساكن بشرط ألا يكون حرف استعلاء فلا يضر وجوده في هذه الحالة، ولا يزال الترقيق ساريا، وذلك نحو:
للذكر [القمر: 17] و
السحر [البقرة: 102] و
حجر [الفجر: 5].
أما إذا كان الساكن حرف استعلاء وهو المعبر عنه بالساكن الحصين نحو:
مصر [الزخرف: 51]
القطر [سبأ: 12] فسيأتي الكلام عليه قريبا.
الثاني: أن تسبق الراء ياء ساكنة، سواء كانت حرف مد نحو:
بصير [البقرة: 233] و
خبير [آل عمران : 180] و
النذير [فاطر: 37] و
قطمير [فاطر: 13] أو حرف لين فقط نحو
[ ص: 129 ] السير [سبأ: 18] و
الخير [الحج: 77] و
لا ضير [الشعراء: 50] و
غير [الأنفال: 7] وهذان الشرطان باتفاق جميع القراء.
الثالث: أن يسبق الراء حرف ممال عند من يقول بالإمالة نحو:
ذات قرار [المؤمنون: 13 و 50] و
الأشرار [ص: 62] و
كتاب الأبرار [المطففين: 18]
عقبى الدار [الرعد: 24] بشرط كسر الراء المتطرفة كما هو مقرر في محله.
أما إذا كانت الراء منصوبة كقوله تعالى: " جاهد الكفار " [التوبة: 73 ، والتحريم: 9] أو مرفوعة نحو:
هذه النار [الطور: 14]
وبئس القرار [إبراهيم: 29] فلا خلاف في تفخيمها للكل كما سيأتي.
تنبيه: عرفت فيما سبق أن الإمالة سبب من أسباب الترقيق، وقد قرأ بها
حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم مع من قرأ في كلمة
مجراها [هود: 14] بهود خاصة دون غيرها من الكلمات ذوات الراء، ولهذا رقق الراء، فاحفظه.
[ ص: 130 ] شروط التفخيم
تفخم الراء المتطرفة الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل بثلاثة شروط متفق عليها بين عموم القراء، وهذه الشروط كالآتي:
الأول: أن يسبق الراء فتحة أو ضمة سواء تخلل بين الفتحة والضمة ساكن أم لا، وذلك: " القمر " " والنذر " " والقدر " " واليسر " " والعسر " .
الثاني: أن يسبق الراء ألف المد بشرط نصب الراء المتطرفة نحو:
إن الأبرار [الانفطار: 13]
جاهد الكفار [التوبة: 73] أو رفعها، نحو قوله تعالى:
سبحانه هو الله الواحد القهار [الزمر: 4].
الثالث: أن يسبق الراء واو المد، نحو قوله تعالى:
إن الله غفور شكور [الشورى: 23]
وإليه النشور [الملك: 15]
وأن الله يبعث من في القبور [الحج: 7] وما إلى ذلك.
هذا، وما تقدم ذكره من شروط للتفخيم والترقيق في الراء المتحركة مطلقا والساكنة في الحالين، سواء توسطت أو تطرفت، والساكنة في الوقف دون الوصل
[ ص: 131 ] ينطوي تحت قول الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية:
ورقق الراء إذا ما كسرت كذاك بعد الكسر حيث سكنت
إن لم تكن من قبل حرف استعلا أو كانت الكسرة ليست أصلا
اهـ
تنبيهات هامة بخصوص الوقف على الراء المتطرفة
التنبيه الأول: لا يخفى أنه إذا وقفت على الراء الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل المتقدم ذكرها أخيرا يجوز لك الوقف بالسكون المجرد، أو به مع الإشمام، أو الوقف بالروم فيما يجوز فيه ذلك، فإذا وقفت بالروم في نحو:
والفجر وليال عشر [الفجر: 1 - 2]
عقبى الدار [الرعد: 22]
إلى النور [البقرة: 257] من كل راء مجرورة أو مكسورة فلا بد من ترقيق الراء، ولو لم يكن قبلها أحد شروط الترقيق السابقة؛ وذلك لأن الروم كالوصل، فكأنك واصل، والراء مجرورة، والجر أو الكسر من مسوغات الترقيق، كما مر آنفا في صدر الباب.
أما إذا وقفت بالروم في حالة الرفع، مثل:
وانشق القمر [القمر: 1]
الواحد القهار [الزمر: 4]
وإليه النشور [الملك: 15] فلا ترقيق للراء للجميع وإن سبقها أحد شروط الترقيق، كما لو وقفت على نحو:
سحر مستمر [القمر: 2] وذلك لأن الراء مرفوعة
[ ص: 132 ] والرفع من مسوغات التفخيم كما مر أيضا، وإذا وقفت بالسكون المجرد سواء كانت الراء مرفوعة كما لو وقفت على نحو:
فما تغن النذر [القمر: 5] و
ليس البر [البقرة: 189]
سحر مستمر [القمر: 2] أو مجرورة نحو:
والوتر [الفجر: 22] أو منصوبة
إن الأبرار [المطففين: 22] أو وقفت بالسكون مع الإشمام - ولا يكون إلا في المرفوع - فينظر إلى ما قبل الراء حينئذ.
فإن كان ما قبلها أحد شروط الترقيق الثلاثة المتقدمة فترقق، وإن كان ما قبلها أحد شروط التفخيم الثلاثة المتقدمة أيضا فتفخم، وقد مر توضيح ذلك بما فيه الكفاية.
التنبيه الثاني: إذا تخلل بين الراء الموقوف عليها وبين الكسر الذي قبلها ساكن حصين - ونعني به الصاد والطاء - من حروف الاستعلاء، وذلك من لفظ
مصر [يوسف: 21] غير المنون حيث وقع في التنزيل ولفظ
القطر [سبأ: 12] ففي الراء خلاف بين أهل الأداء، فمنهم من فخم لكون الحاجز حرف استعلاء معتدا به، ومنهم من رقق ولم يعتد بالحاجز الحصين وجعله كغير الحصين، مثل:
الشعر [يس: 69].
واختار الحافظ
ابن الجزري التفخيم في مصر، والترقيق في القطر؛ نظرا لحال الوصل، وعملا بالأصل، أي أن الراء في مصر مفتوحة في الوصل مفخمة، وفي القطر مكسورة في
[ ص: 133 ] الوصل مرققة، وهذا هو المعول عليه والمأخوذ به.
وقد بين العلامة
المتولي رحمه الله مذهب الحافظ
ابن الجزري في هاتين الكلمتين بقوله:
ومصر فيه اختار أن يفخما وعكسه في القطر عنه فاعلما
اهـ التنبيه الثالث: من الراءات الساكنة للوقف المتحركة في الوصل ما يجوز فيها الوجهان الترقيق والتفخيم، والأول هو الأرجح، وهي الراءات المكسورة التي بعدها ياء محذوفة للتخفيف، المنحصرة في كلمة " ونذر " [القمر: 16 و 18 و 21 و 30 و 37 و 39] المسبوقة بالواو في ستة مواضع بالقمر، وكلمة
يسر [الفجر: 4] في قوله تعالى:
والليل إذا يسر [بالفجر، الآية: 4] فمن رقق نظر إلى الأصل وهو الياء المحذوفة للتخفيف وأجرى الوقف مجرى الوصل، ومن فخم لم ينظر إلى الأصل ولا إلى الوصل، واعتد بالعارض وهو الوقف بسكون الراء وحذف الياء، ولفتح ما قبل الراء في "يسر" ولضمه في "ونذر" إذ كل هذا موجب للتفخيم.
ويلحق بهذه الراءات السبع في إجراء الوجهين وقفا مع ترجيح الترقيق في الراء من كلمتي
أن أسر [طه: 77] و
فأسر [الدخان: 23] إذ أن بعد الراء فيهما ياء محذوفة للبناء.
[ ص: 134 ] التنبيه الرابع: علم مما تقدم في التنبيه الثالث أن الراءات الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل، والتي يجوز فيها الترقيق والتفخيم وقفا مع أرجحية الترقيق تسع راءات، يضاف إليها راء "القطر" بسبأ التي تقدم الكلام عليها في التنبيه الثاني فتصير عشر راءات، الأرجح فيهن الترقيق وقفا كما تقدم أيضا، من هذا النوع راء واحدة فيها الوجهان وقفا التفخيم والترقيق، والأول هو الأرجح، عكس ما تقدم في الراءات العشر المذكورة آنفا وهذه في لفظ
مصر [الزخرف: 51] غير المنون، فتكون الجملة إحدى عشرة راء، فليعلم.
التنبيه الخامس: الراء المكسورة المتطرفة الموقوف عليها إن ضم ما قبلها نحو: " بالنذر " [القمر: 23 و 33 و 36]
ودسر [القمر: 13] أو فتح نحو: " للبشر " [المدثر: 25 و 31] أو سكن نحو:
الفجر [الإسراء: 78]
القدر [القدر: 1] حكمها التفخيم كما ذكرنا في شروط التفخيم للراء الساكنة للوقف، وهذا ما ذهب إليه الجمهور، وهو الصحيح كما في إتحاف البشر وغيره، وقيل بترقيقها لعروض الوقف، وذهب إليه جماعة، والمعول عليه والمقروء به هو ما ذهب إليه الجمهور، وبه قرأت على جميع شيوخي، وبه أقرئ، هذا إذا كان الوقف بالسكون المجرد، أما إذا كان الوقف بالروم فلا خلاف في ترقيق هذه الراء لجميع القراء، كما مر.
وفيما يلي ضابط نفيس لشيخ مشايخي العلامة
المتولي بين فيه ما ذكرناه في هذا التنبيه، مع ذكر اختيار الحافظ
ابن الجزري فيما
[ ص: 135 ] تقدم في الراءات ذوات الوجهين وقفا، قال عليه رحمة الله:
والراجح التفخيم في للبشر والفجر أيضا وكذا بالنذر
وفي إذا يسر اختيار الجزري ترقيقه وهكذا ونذر
ومصر فيه اختار أن يفخما وعكسه في القطر عنه فاعلما
وذلك كله بحال وقفنا والروم كالوصل على ما بينا
اهـ
التنبيه السادس: كل ما تقدم ذكره من أحكام للراء الساكنة وقفا المتحركة وصلا إنما هو في زمن الوقف فقط كما بيناه، أما إذا وصلت الراء فلا يخفى الحكم فيها حينئذ؛ لأنها صارت متحركة، وتقدم الكلام في صدر الباب على الراء المتحركة، سواء كانت الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة، كما تقدم حكمها تفخيما وترقيقا، فتأمل.
وإلى هنا انتهى كلامنا على أحكام الراء ساكنة ومتحركة، وإنما أطلنا الكلام عليها لكثرة مسائلها، وقصدا لإتقان أحكامها، فاحرص عليها، وتأمل مسائلها؛ فقد أوضحناها لك توضيحا كاملا، والله يرشدنا وإياك إلى الطريق السوي، إنه سبحانه صاحب التوفيق ووليه.