[ ص: 140 ] الفصل الثاني
في
الظاءات المشالة الواردة في القرآن الكريم
لما كانت الضاد المعجمة أصعب الحروف وأشدها على اللسان مخرجا - كما تقدم - ويختلف نطق الناس بها، فمنهم من يخرجها من مخرجها الحقيقي المعد لها ضادا مستطيلة وهم القلة، ومنهم من يخرجها من مخرج الظاء المشالة، أو يخرجها طاء مهملة، ومنهم من يلتبس عليه الفرق بين الضاد المعجمة والظاء المشالة، فيضع إحداهما مكان الأخرى، وهذا كله لحن لا تصح القراءة به؛ لأن فيه تغييرا للفظ وإخراجا للكلمة عن المعنى المقصود.
ولهذا اهتم العلماء اهتماما بالغا بحصر الظاءات المشالة وموادها التي وردت في القرآن الكريم، وأفردوها بالتأليف نثرا ونظما، كالحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبي عمرو الداني ،
وابن الجزري ، وسيدي
علي النوري الصفاقسي ، وخلق غيرهم - رحمهم الله ورضي عنهم - وإنما فعلوا ذلك لقلتها بالنسبة إلى الضاد، ومن ثم يؤخذ من حصرهم للظاءات المشالة الواردة في التنزيل أن ما سواها فيه هو بالضاد المعجمة لفظا وكتابة.
وجملة ما ورد في القرآن الكريم من الظاءات المشالة حسبما جاء في المقدمة الجزرية ثلاثون لفظا متفق عليها وواحد مختلف فيه بين القراء كما سيأتي، ومن هذه الألفاظ ما وقع في موضع واحد، ومنها ما وقع في غير موضع، ودونكها مفصلة حسب ترتيب المقدمة الجزرية؛ ليسهل فهمها إن شاء الله تعالى.
اللفظ الأول: الظعن بفتح الظاء والعين أو بسكون العين أيضا، وهما لغتان
[ ص: 141 ] في هذا اللفظ، وقرئ بهما في المتواتر، ومعناه الرحلة من مكان إلى آخر، ووقع منه في القرآن العظيم موضع واحد وهو قوله تعالى:
يوم ظعنكم ويوم إقامتكم [الآية: 80] بالنحل.
اللفظ الثاني: الظل بكسر الظاء المشالة، ووقع منه في القرآن العظيم اثنان وعشرون موضعا، أولها قوله تعالى:
وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى [الآية: 57] بالبقرة، وآخرها قوله تعالى بالمرسلات:
إن المتقين في ظلال وعيون [الآية: 41] ومن هذا اللفظ باب الظلة أيضا، ووقع في موضعين، قوله تعالى:
كأنه ظلة [الآية: 171] بالأعراف، وقوله سبحانه:
فأخذهم عذاب يوم الظلة [الآية: 189] بالشعراء.
اللفظ الثالث: الظهر بضم الظاء، وهو وقت منتصف النهار، ووقع منه في القرآن الكريم موضعان:
أولهما قوله تعالى:
وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة [الآية: 58] بالنور.
وثانيهما: قوله تعالى:
وحين تظهرون [الآية: 18] بالروم.
اللفظ الرابع: العظم بضم العين وسكون الظاء بمعنى العظمة، ووقع منه في القرآن العظيم مائة وثلاثة مواضع، الأول منه قوله تعالى بالبقرة:
ولهم عذاب عظيم [الآية: 7] وآخرها قوله تعالى بالمطففين:
أنهم مبعوثون ليوم عظيم [الآية: 4 - 5].
اللفظ الخامس: الحفظ بكسر الحاء وسكون الفاء، وقع منه في التنزيل اثنان وأربعون موضعا، أولها في قوله تعالى بالبقرة:
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [بالبقرة، الآية: 238] وآخرها قوله تعالى:
إن كل نفس لما عليها حافظ [بالطارق، الآية: 4].
[ ص: 142 ] اللفظ السادس: أيقظ من اليقظة ضد النوم، وقع منه في التنزيل موضع واحد بالكهف، وهو قوله تعالى:
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود [الآية: 18].
اللفظ السابع: النظر من الإنظار بمعنى المهلة والتأخير، وقع منه في القرآن الكريم عشرون موضعا، أولها قوله تعالى:
لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون [بالبقرة، الآية: 162] وآخرها قوله تعالى:
انظرونا نقتبس من نوركم [بالحديد، الآية: 13].
قال العلامة
ابن يالوشة في شرح المقدمة الجزرية، وأما:
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة [بالأنعام، الآية: 158] [والنحل، الآية: 33] من الانتظار لا من الإنظار اهـ.
اللفظ الثامن: العظم بفتح العين وسكون الظاء، وهو العظم المعروف، سواء أكان عظم آدمي أم غيره، وسواء أكان مفردا أم جمعا، وقع منه في القرآن الكريم خمسة عشر موضعا:
الأول منه قوله تعالى بالبقرة:
وانظر إلى العظام كيف ننشزها [الآية: 259] وآخرها قوله تعالى:
عظاما نخرة [بالنازعات، الآية: 11].
اللفظ التاسع: الظهر بفتح الظاء وسكون الهاء، وهو خلاف البطن، سواء كان ظهرا لآدمي أو لغيره، وقع منه في القرآن الكريم ستة عشر موضعا:
أولها قوله تعالى:
وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون [بالبقرة، الآية: 101] وآخرها قوله عز شأنه:
الذي أنقض ظهرك [بالانشراح، الآية: 3].
اللفظ العاشر: اللفظ بمعنى التلفظ، وقع منه في التنزيل موضع واحد، وهو قوله تعالى:
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [سورة ق، الآية: 18].
اللفظ الحادي عشر: ظاهر بكسر الهاء، ومادة هذا اللفظ تفيد ست معان وهي كالآتي:
الأول: الظاهر ضد الباطن، وقع منه في القرآن الكريم ثلاثة عشر موضعا، الأول منها قوله تعالى:
وذروا ظاهر الإثم وباطنه [بالأنعام، الآية: 120] والآخر قوله سبحانه:
وظاهره من قبله العذاب [بالحديد، الآية: 13].
[ ص: 143 ] الثاني: الظهور بمعنى العلو والانتصار، وقع منه في القرآن العظيم ثمانية مواضع، الأول منها قوله تعالى:
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [بالتوبة، الآية: 33] وآخرها قوله تعالى:
فأصبحوا ظاهرين [بالصف، الآية: 14].
الثالث: الظهور بمعنى الظفر، وقع منه في التنزيل موضعان، الأول قوله تعالى:
كيف وإن يظهروا عليكم [بالتوبة، الآية: 8] والثاني قوله تعالى:
إنهم إن يظهروا عليكم [بالكهف، الآية: 20].
الرابع: الظهور بمعنى الاطلاع والإحاطة، وقع منه في القرآن الكريم ثلاثة مواضع، أولها قوله تعالى:
الذين لم يظهروا على عورات النساء [بالنور، الآية: 31] وثانيها قوله تعالى:
وأظهره الله عليه [بالتحريم، الآية: 3].
وثالثها قوله تعالى:
فلا يظهر على غيبه أحدا [بالجن، الآية: 26].
الخامس: التظاهر بمعنى التعاون، وقع منه في القرآن الكريم اثنا عشر موضعا، الأول منها قوله تعالى:
تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان [بالبقرة، الآية: 85] وآخرها قوله تعالى:
والملائكة بعد ذلك ظهير [بالتحريم، الآية: 4].
السادس: الظهر بمعنى الظهار، وهو الحلف به، وقع منه في التنزيل ثلاثة مواضع، الأول قوله تعالى:
تظاهرون منهن أمهاتكم [بالأحزاب، الآية: 4] والثاني والثالث قوله تعالى:
الذين يظاهرون منكم من نسائهم وقوله سبحانه:
والذين يظاهرون من نسائهم كلاهما بالمجادلة [الآيتان: 2، 3].
والحاصل أن مادة لفظ "ظاهر" بمعانيها المذكورة اشتملت على واحد وأربعين موضعا في التنزيل.
اللفظ الثاني عشر: لظى، وهو اسم من أسماء جهنم، نسأل الله النجاة منها،
[ ص: 144 ] وقع منه في القرآن العظيم موضعان، قوله تعالى:
كلا إنها لظى [بالمعارج، الآية: 15] وقوله سبحانه:
فأنذرتكم نارا تلظى [بالليل، الآية: 14].
اللفظ الثالث عشر: شواظ بضم الشين وكسرها لغتان، وقرئ بهما في المتواتر، وهو اللهب الذي لا دخان معه، نسأل الله السلامة منه، وقع منه في التنزيل موضع واحد، وهو قوله تعالى:
يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس [الآية: 35] بسورة الرحمن جل وعلا.
اللفظ الرابع عشر: الكظم، وهو تجرع الغيظ وعدم ظهوره، وذلك بتحمله، وقع منه في التنزيل ستة مواضع:
أولها: قوله تعالى:
والكاظمين الغيظ [بآل عمران ، الآية: 134].
وثانيها: قوله تعالى:
وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم [بيوسف، الآية: 84].
وثالثها: قوله تعالى:
ظل وجهه مسودا وهو كظيم [بالنحل، الآية: 58].
ورابعها: قوله تعالى:
إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين [بغافر، الآية: 18].
وخامسها:
ظل وجهه مسودا وهو كظيم [بالزخرف، الآية: 17].
وسادسها: قوله تعالى:
إذ نادى وهو مكظوم [بالقلم، الآية: 48].
اللفظ الخامس عشر: الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، وقع منه في القرآن الكريم مائتان وثمانون موضعا على الصحيح، الأول منها قوله تعالى:
ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين [بالبقرة، الآية: 35] وآخرها قوله تعالى:
والظالمين أعد لهم عذابا أليما [بالدهر، الآية: 31].
اللفظ السادس عشر: الغلظ من الغلاظة ضد الرقة، وقع منه في التنزيل ثلاثة عشر موضعا، الأول منها قوله تعالى:
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك [بآل عمران ، الآية: 159] وآخرها قوله تعالى:
جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [بالتحريم، الآية: 9].
اللفظ السابع عشر: الظلام ضد النور، وقد اختلف العلماء في عدد
[ ص: 145 ] مواضعه، فذكر الحافظ
ابن الجزري في التمهيد أن مواضعه في التنزيل ستة وعشرون موضعا، وقال ابنه المعروف بابن الناظم: إن مواضعه مائة موضع، وتابعه على ذلك جماعة من شارحي المقدمة الجزرية وغيرهم، والصواب ما قاله والده وهو ستة وعشرون موضعا، وبه قال العلامة سيدي
علي النوري الصفاقسي، والعلامة
ابن يالوشة ، وكذلك الملا
علي القاري ، وغيرهم.
هذا، والموضع الأول من الستة والعشرين قوله تعالى:
وتركهم في ظلمات لا يبصرون [بالبقرة، الآية: 17] وآخرها قوله تعالى:
ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور [بالطلاق، الآية: 11].
اللفظ الثامن عشر: الظفر بضم الظاء والفاء وهو معروف، وجمعه أظافر، جاء منه في التنزيل موضع واحد، وهو قوله تعالى:
وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر [بالأنعام، الآية: 146].
اللفظ التاسع عشر: الانتظار بمعنى الارتقاب، وقع منه في التنزيل ستة وعشرون موضعا على الصحيح، أولها قوله تعالى:
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة [بالبقرة، الآية: 210] وآخرها قوله تعالى:
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة [بالقتال، الآية: 18].
اللفظ العشرون: الظمأ وهو العطش، وقع منه في القرآن العظيم ثلاثة مواضع، أولها قوله تعالى:
لا يصيبهم ظمأ [بالتوبة، الآية: 120] وثانيها قوله تعالى:
وأنك لا تظمأ فيها [بطه، الآية: 119]
[ ص: 146 ] وثالثها قوله تعالى:
يحسبه الظمآن ماء [بالنور، الآية: 39].
وقد أشار إلى هذه الألفاظ العشرين الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
............... ... وكلها تجي في الظعن ظل الظهر عظم الحفظ
أيقظ وانظر عظم ظهر اللفظ ظاهر لظى شواظ كظم ظلما
اغلظ ظلام ظفر انتظر ظما
اهـ
اللفظ الحادي والعشرون: الظفر بفتح الظاء والفاء بمعنى الغلبة والنصر، وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد في قوله تعالى:
من بعد أن أظفركم عليهم [بالفتح، الآية: 24].
اللفظ الثاني والعشرون: الظن، وهو تجويز أمرين أحدهما أقرب من الآخر، ويأتي بمعنى الشك أو اليقين.
فالأول كقوله تعالى:
وتظنون بالله الظنونا [بالأحزاب، الآية: 10] وقوله:
وظننتم ظن السوء [بالفتح: الآية: 12].
والثاني نحو قوله تعالى:
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم [بالبقرة، الآية: 46] وقوله
فظنوا أنهم مواقعوها [بالكهف، الآية: 53] وقد يأتي بمعنى التهمة كقوله تعالى:
وما هو على الغيب بضنين [بالتكوير، الآية: 24] وذلك عند من قرأ بالظاء المشالة.
والحاصل أن باب الظن كيف ورد في القرآن الكريم سواء كان بمعنى الشك أو اليقين أو العلم أو التهمة، وسواء كان اسما أو فعلا - فهو بالظاء المشالة، واستفيد هذا الإطلاق من قول المقدمة الجزرية "ظنا كيف جا" والوارد منه في التنزيل تسعة وستون موضعا على الصحيح، أولها قوله تعالى:
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم [بالبقرة، الآية: 46] وآخرها قوله سبحانه:
إنه ظن أن لن يحور [بالانشقاق، الآية: 14].
اللفظ الثالث والعشرون: الوعظ، وهو التخويف من عذاب الله والترغيب
[ ص: 147 ] في ثوابه، وقع منه في القرآن العظيم أربعة وعشرون موضعا على الصحيح، أولها قوله تعالى:
وموعظة للمتقين [بالبقرة، الآية: 66] وآخرها قوله سبحانه:
ذلكم توعظون به [بالمجادلة، الآية: 3] وليس منه لفظ "عضين" في قوله تعالى:
الذين جعلوا القرآن عضين [بالحجر، الآية: 91] فإنه بالضاد المعجمة، وهو جمع عضة بمعنى فرقة، وهذا معنى قول المقدمة الجزرية "وعظ سوى عضين" وجاء في بعض شراح المقدمة الجزرية وغيرها أن الوارد في القرآن الكريم من مادة الوعظ تسعة مواضع، والصحيح ما ذكرناه، وبه قال غير واحد من الثقات كسيدي علي النوري الصفاقسي، والعلامة ابن يالوشة.
اللفظ الرابع والعشرون: ظل بمعنى دام أو صار، وقع منه في التنزيل تسعة مواضع، وفيما يلي ذكرها كترتيب المقدمة الجزرية.
الأول والثاني قوله تعالى: " ظل وجهه مسودا " [في النحل، الآية: 58] [والزخرف، الآية: 17].
الثالث: قوله تعالى:
الذي ظلت عليه عاكفا [بطه، الآية: 97].
الرابع:
فظلتم تفكهون [بالواقعة، الآية: 65].
الخامس: قوله تعالى:
لظلوا من بعده يكفرون [بالروم، الآية: 51].
السادس: قوله تعالى:
فظلوا فيه يعرجون [بالحجر، الآية: 14].
السابع والثامن: قوله تعالى:
آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وقوله سبحانه:
قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين كلاهما بالشعراء، [الآيتان: 4، 71].
التاسع: قوله تعالى:
فيظللن رواكد على ظهره [بالشورى، الآية: 33].
قال العلامة
ابن يالوشة في شرح المقدمة الجزرية عقب تعداد المواضع التسعة للفظ ظل المذكور آنفا ما نصه: "وما سوى" هذه المواضع فإنه الضاد؛ لأنه إما من الضلال ضد الهدى كقوله تعالى:
يضل من يشاء ويهدي من يشاء [النحل: 93] ومن
[ ص: 148 ] الاختلاط والمزج كقوله تعالى:
أإذا ضللنا في الأرض [السجدة: 10] أو بمعنى الهلاك كقوله تعالى:
إن المجرمين في ضلال وسعر [القمر: 47] أو بمعنى البطلان كقوله تعالى:
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا [الكهف: 104] أو بمعنى التغيب كقوله تعالى:
قالوا ضلوا عنا [الأعراف: 37] فهذا جميعه بالضاد؛ لأنه ليس بمعنى الدوام أو الصيرورة، اهـ منه بلفظه ص (36) .
اللفظ الخامس والعشرون: الحظر، وهو المنع والحجر، وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد وهو قوله تعالى:
وما كان عطاء ربك محظورا [بالإسراء، الآية: 20].
اللفظ السادس والعشرون: المحتظر بكسر الظاء، بمعنى صاحب الحظيرة، وقع منه في التنزيل موضع واحد هو قوله تعالى:
إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر [القمر: 31].
اللفظ السابع والعشرون: الفظ من الفظاظة، وهي الغلظة والتجافي، وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد وهو قوله تعالى:
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك [بآل عمران ، الآية: 159].
اللفظ الثامن والعشرون: النظر بمعنى الرؤية، أو بمعنى التفكير:
فالأول: كقوله تعالى:
وتراهم ينظرون إليك [بالأعراف، الآية: 198].
والثاني: كقوله تعالى:
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض [بالأعراف، الآية: 185].
والوارد في القرآن الكريم من باب النظر مطلقا ستة وثمانون موضعا على الصحيح، أولها قوله تعالى:
وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون [بالبقرة، الآية: 50] وآخرها قوله سبحانه وتعالى:
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [بالغاشية، الآية: 17].
[ ص: 149 ] قال العارف بالله سيدي
علي النوري الصفاقسي بعد أن تكلم على مادة "النظر" هذه ما نصه: "لا يخفى أن بعضه نظر بصر كقوله تعالى:
تسر الناظرين [البقرة: 69] وبعضه للاستدلال كقوله تعالى:
قل انظروا ماذا في السماوات والأرض [يونس: 101]
فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها [الروم: 50] وبعضه للاعتبار كقوله تعالى:
فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [النمل: 14] وبعضه نظر تعجب كقوله تعالى:
انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون [المائدة: 75] انتهى كلامه رضي الله عنه.
هذا، وليس من باب النظر كلمة "ناضرة" الأولى في قوله تعالى:
وجوه يومئذ ناضرة [بالقيامة، الآية: 22] وكلمة "نضرة" في قوله تعالى:
ولقاهم نضرة وسرورا [بالدهر، الآية: 11] وفي قوله سبحانه:
نضرة النعيم [بالمطففين، الآية: 24] فالكلمات الثلاث بالضاد المعجمة؛ لأنها من النضارة بمعنى الحسن والإضاءة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه" الحديث.
وهذا معنى قول الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية "وجميع النظر إلا بويل هل وأولى" أي: جميع مادة النظر مطلقا في التنزيل بالظاء المشالة إلا
نضرة النعيم [الآية: 24] بسورة "ويل للمطففين" و
نضرة وسرورا [الآية: 11] بسورة "هل أتى" و
ناظرة [الآية: 22] الأولى بالقيامة كما مر، وخرج بقوله: "وأولى ناضره" كلمة "ناظرة" الثانية بنفس سورة القيامة في قوله تعالى:
إلى ربها ناظرة [الآية: 23] فهي بالظاء المشالة؛ لأنها بمعنى الرؤية والمشاهدة.
[ ص: 150 ] نسأل الله تعالى من فضله وكرمه أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في دار الكرامة والتنعيم؛ إنه سميع مجيب، آمين.
اللفظ التاسع والعشرون: الغيظ، وهو شدة الغضب وثوران طبع النفس، وقع منه في التنزيل أحد عشر موضعا، أولها قوله تعالى:
قل موتوا بغيظكم [بآل عمران ، الآية: 119] وآخرها قوله سبحانه:
تكاد تميز من الغيظ [بالملك، الآية: 8] وليس من هذا اللفظ "غيض وتغيض" في قوله تعالى:
وغيض الماء [بهود، الآية: 44] وفي قوله سبحانه:
وما تغيض الأرحام وما تزداد [بالرعد، الآية: 8] فإنهما بالضاد المعجمة؛ لكونهما من الغيض بمعنى النقص، ولم يقع غيرهما في القرآن الكريم، وهذا معنى قول الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية: "والغيظ لا الرعد وهود قاصره".
اللفظ الثلاثون: الحظ بمعنى النصيب، وقع منه في التنزيل سبعة مواضع وهي كالآتي:
الأول: قوله تعالى:
يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة [بآل عمران ، الآية: 176].
الثاني والثالث: بالنساء في قوله تعالى:
للذكر مثل حظ الأنثيين [الآية: 11] وفي قوله سبحانه:
فللذكر مثل حظ الأنثيين [الآية: 176].
الرابع الخامس: بالمائدة في قوله تعالى:
ونسوا حظا مما ذكروا به [الآية: 13] وفي قوله سبحانه:
فنسوا حظا مما ذكروا به [الآية: 14].
السادس: قوله تعالى:
إنه لذو حظ عظيم [بالقصص، الآية: 79].
السابع: قوله تعالى:
إلا ذو حظ عظيم [بفصلت، الآية: 35].
وأما الحض بمعنى التحريض والحث على فعل الشيء فهو بالضاد المعجمة، ووقع منه في التنزيل ثلاثة مواضع:
أولها وثانيها: لفظ "يحض" في قوله تعالى: " ولا يحض على طعام المسكين " في كل من سورة [الحاقة، الآية: 34] ، [وسورة الماعون، الآية: 3].
وثالثها: قوله تعالى:
ولا تحاضون على طعام المسكين [بالفجر، الآية: 18] وهذا معنى قول الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية: "والحظ لا
[ ص: 151 ] الحض على الطعام".
اللفظ الحادي والثلاثون: (ضنين) وهذا هو اللفظ المختلف فيه بين القراء، كما تقدم في صدر هذا الفصل، وقد وقع منه في القرآن الكريم لفظ واحد وهو قوله تعالى:
وما هو على الغيب بضنين [بالتكوير، الآية: 24] فقد قرأه بعضهم بالظاء المشالة بمعنى متهم، أي: وما
محمد بمتهم فيما يوحى إليه، وقرأه بعضهم بالضاد المعجمة بمعنى بخيل، أي: وما محمد ببخيل على الناس ببيان ما يوحى إليه من الله تعالى.
وما سوى هذه الألفاظ الجامعة للظاءات المشالة في التنزيل فإنه بالضاد المعجمة لفظا وكتابة، وقد أشار إلى بقية الألفاظ من الحادي والعشرين إلى نهاية الواحد والثلاثين الحافظ
ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
أظفر طنا كيف جا وعظ سوى عضين ظل النحل زخرف سوى
وظلت ظلتم وبروم ظلوا كالحجر ظلت شعرا تظل
يظللن محظورا مع المحتظر وكنت فظا وجميع النظر
إلا بويل هل وأولى ناضره والغيظ لا الرعد وهود قاصره
والحظ لا الحض على الطعام وفي ضنين الخلاف سامي اهـ