صفحة جزء
وإذ أخذ ربك من بني آدم [172] ، [173]

بمعنى: واذكروا.

هذه الآية مشكلة، وقد ذكرنا فيها شيئا.

وقد قال قوم: إن معنى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعضهم.

قالوا: ومعنى وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم دلهم بخلقه على توحيده؛ لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا ألست بربكم أي قال، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا القول.

قال أبو جعفر : قرئ على جعفر بن محمد وأنا أسمع، عن قتيبة ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أبي أنيسة، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب، أخبره عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية: (وإذ أخذ [ ص: 162 ] ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)؟

فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله - جل وعز - خلق آدم فمسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة، فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت فيدخله النار، قال: وليس الله تعالى بظالم له في هذه الحال؛ لأنه قد علم ما سيكون منه».


قال أبو جعفر : والآية مع هذا مشكلة، ونحن نتقصى ما فيها:

قال بعض العلماء: هي مخصوصة؛ لأن الله - جل وعز – قال: من بني آدم من ظهورهم فخرج من هذا من كان من ولد آدم - عليه السلام - لصلبه وقال - جل وعز -: أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل فخرج منها كل من لم يكن له آباء مشركون، ومعنى وأشهدهم على أنفسهم قال لهم بأن أرسل إليهم رسولا.

وقيل: بل هي عامة لجميع الناس؛ لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلا فغذي وربي، وأن له مدبرا وخالقا، فهذا معنى وأشهدهم على أنفسهم ومعنى قالوا بلى أن ذلك واجب عليهم.

وقيل: هذا لمن كان من ظهور بني آدم - عليه [ ص: 163 ] السلام - وقد علم أن ولد آدم - عليه السلام - لصلبه كذا.

وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة (أن تقولوا) بالتاء معجمة من فوق، وقرأ عبد الله بن عباس ، وسعيد بن جبير ، وأبو عمرو بن العلاء ، وابن محيصن، وعاصم الجحدري، وعيسى بن عمر (أن يقولوا) بالياء و(أن) في موضع نصب في القراءتين جميعا بمعنى (كراهة أن) وعند الكوفيين بمعنى (لئلا).

أفتهلكنا بما فعل المبطلون بمعنى: لست تفعل هذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية