وقوله - جل وعز -:
أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ؛ قيل في التفسير: إنه يعني
محمدا - صلى الله عليه وسلم -؛
ويتلوه شاهد منه ؛ أي: شاهد من ربه؛ والشاهد
جبريل ؛ وقيل: يتلوه البرهان؛ والذي جرى ذكر البينة؛ لأن البينة والبرهان بمعنى واحد .
وقيل: "ويتلوه شاهد منه"؛ يعني لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: "أفمن كان على بينة من ربه؛ وكان معه من الفضل ما يبين تلك البينة؛ كان هو وغيره سواء؟!"؛ وترك ذكر المضاد له؛ لأن فيما بعده دليلا - عليه؛ كقوله:
مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع
ويجوز أن يكون - والله أعلم -: "أفمن كان على بينة من ربه"؛ يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وسائر المؤمنين؛ ويكون معنى "ويتلوه شاهد منه"؛ يتلوه؛ ويتبعه؛ أي: يتبع البيان شاهد من ذلك البيان؛ ويكون الدليل على هذا القول:
أولئك يؤمنون به
ويكون دليله أيضا:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ؛ فإتباع الشاهد بعد البيان؛ كإتباع التفصيل بعد الأحكام. وقوله:
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ؛
[ ص: 44 ] أي: وكان من قبل هذا كتاب
موسى دليلا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ويكون
كتاب موسى ؛ على العطف على قوله: "ويتلوه شاهد منه؛ ومن قبله كتاب
موسى "؛ أي: وكان يتلوه كتاب
موسى .
لأن النبي بشر به
موسى وعيسى في التوراة؛ والإنجيل؛ قال الله - جل وعز -:
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ؛ ونصب "إماما"؛ على الحال؛ لأن
كتاب موسى ؛ معرفة؛
فلا تك في مرية منه
يجوز كسر الميم في "مرية"؛ وضمها؛ وقد قرئ بهما جميعا في "مرية"؛ و"فرية"؛ ويجوز نصب
كتاب موسى ؛ ويكون المعنى: "ويتلوه شاهد منه؛ وهو الذي كان يتلو كتاب
موسى "؛ والأجود الرفع؛ والقراءة بالرفع لا غير.