وقوله:
جعلنا عاليها سافلها ؛ يقال: إن
جبريل جعل جناحه في أسفلها؛ ثم رفعها إلى السماء؛ حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب؛ وصياح الدجاج؛ ثم قلبها عليهم؛
وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك
وقد قال الناس في "سجيل"؛ أقوالا؛ ففي التفسير أنها من جل؛ وحجارة؛ وقال أهل اللغة: هو فارسي معرب؛ والعرب لا تعرف هذا؛ والذي عندي أنه إذا كان هذا التفسير صحيحا فهو فارسي؛ أعرب لأن الله - جل وعز - قد ذكر هذه الحجارة في قصة قوم
لوط ؛ فقال:
لنرسل عليهم حجارة من طين ؛ فقد تبين للعرب ما عني بـ "سجيل" .
ومن كلام
الفرس ما لا يحصى؛ مما قد أعربته العرب؛ نحو: "جاموس"؛ و"ديباج"؛ فلا أنكر أن هذا مما أعرب؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة معمر بن المثنى : تأويله كسيرة شديدة؛ وقال: إن مثل ذلك قول الشاعر:
[ ص: 71 ] ورجلة يضربون البيض عن عرض ضربا تواصت به الأبطال سجينا
والبيت
لابن مقبل ؛ و"سجين"؛ و"سجيل"؛ بمعنى واحد .
وقال بعضهم: "سجيل"؛ من "أسجلته"؛ أي: أرسلته؛ فكأنها مرسلة عليهم؛ وقال بعضهم: "من سجيل": من "أسجلت"؛ إذا أعطيت؛ فجعله من "السجل"؛ وهو الدلو؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس :
من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وقيل: "من سجيل": كقولك: "مما سجل"؛ أي: "مما كتب لهم"؛ وهذا القول إذا فسر؛ فهو أثبتها؛ لأن في كتاب الله (تعالى) دليلا عليه .
قال - جل وعز -:
كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ؛
[ ص: 72 ] "سجيل"؛ في معنى "سجين"؛ فالمعنى أنها حجارة مما كتب الله - جل ثناؤه - أنه يعذبهم بها؛ وهذا أحسن ما مر فيها عندي .
فأما قوله:
منضود مسومة عند ربك ؛ فمعناه أن بعضها يأتي مع بعض كالمطر؛ وأما "مسومة عند ربك"؛ فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنها معلمة ببياض؛ وحمرة؛ وقال غيره: "مسومة"؛ بعلامة يعلم بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا؛ وتعلم بسيماها أنها مما عذب الله بها؛
وما هي من الظالمين ببعيد ؛ قيل: إنها ما هي من ظالمي هذه الأمة ببعيد.