وقوله - عز وجل -:
واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ؛ تفسير " المسلم " ؛ في اللغة: الذي قد استسلم لأمر الله كله؛ وخضع له؛ فالمسلم المحقق هو الذي أظهر القبول لأمر الله كله؛ وأضمر مثل ذلك؛ وكذلك قوله:
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ؛ المعنى: قولوا جميعا: " خضعنا وأظهرنا الإسلام " ؛ وباطنهم غير ظاهرهم؛ لأن هؤلاء منافقون؛ فأظهر الله - عز وجل - النبي على أسرارهم؛ فالمسلم على ضربين: مظهر القبول؛ ومبطن مثل ما يظهر؛ فهذا يقال له: " مؤمن " ؛ ومسلم إنما يظهر غير ما يبطن؛ فهذا غير مؤمن؛ لأن التصديق والإيمان هو بالإظهار مع
[ ص: 209 ] القبول؛ ألا ترى أنهم إنما قيل لهم:
ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ؟ أي: أظهرتم الإيمان خشية؛ وقوله - عز وجل -:
وأرنا مناسكنا ؛ معناه: عرفنا متعبداتنا؛ وكل متعبد فهو " منسك " ؛ و " منسك " ؛ ومن هذا قيل للعابد: " ناسك " ؛ وقيل للذبيحة المتقرب بها إلى الله (تعالى): " النسيكة " ؛ كأن الأصل في " النسك " ؛ إنما هو من الذبيحة لله - جل وعز -؛ وتقرأ أيضا " وأرنا " ؛ على ضربين: بكسر الراء؛ وبإسكانها؛ والأجود الكسر؛ وإنما أسكن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو لأنه جعله بمنزلة " فخذ " ؛ و " عضد " ؛ وهذا ليس بمنزلة " فخذ " ؛ ولا " عضد " ؛ لأن الأصل في هذا: " أرئنا " ؛ فالكسرة إنما هي كسرة همزة ألقيت؛ وطرحت حركتها على الراء؛ فالكسرة دليل الهمزة؛ فحذفها قبيح؛ وهو جائز على بعده؛ لأن الكسر؛ والضم؛ إنما يحذف على جهة الاستثقال؛ فاللفظ بكسرة الهمزة؛ والكسرة التي في بناء الكلمة؛ واللفظ به واحد؛ ولكن الاختيار ما وصفنا أولا.