ثم قال - عز وجل - ضاربا مثلا للكافرين؛ والمؤمنين -:
أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ؛ أي: بما قدر لها من ملئها؛ ويجوز "بقدرها"؛ أي: بقدر ملئها؛
فاحتمل السيل زبدا رابيا ؛ أي: طافيا؛ عاليا فوق الماء؛
ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع ؛ أي: ابتغاء متاع؛
زبد مثله ؛ والذي يوقد عليه في النار ابتغاء حلية: الذهب؛ والفضة؛ والذي يوقد عليه ابتغاء أمتعة: الحديد؛ والصفر؛ والنحاس؛ والرصاص.
و"زبد مثله": أي: مثل زبد الماء؛
كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد ؛ أي: من زبد الماء؛ والزبد من خبث الحديد؛ والصفر؛ والنحاس؛ والرصاص؛
فيذهب جفاء ؛ أي: فيذهب ذلك؛ لا ينتفع به؛ و"الجفاء": ما جفا الوادي؛ أي: رمى به؛
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ؛ وأما ما ينفع الناس من الماء؛ والفضة؛ والذهب؛ والحديد؛ وسائر ما ذكرنا؛ فيمكث في الأرض.
فمثل المؤمن؛ واعتقاده؛ ونفع الإيمان ؛ كمثل هذا الماء
[ ص: 146 ] المنتفع به في نبات الأرض؛ وحياة كل شيء؛ وكمثل نفع الفضة؛ والذهب؛ وسائر الآلات التي ذكرت؛ لأنها كلها تبقى منتفعا بها؛ ومثل الكافر؛ وكفره ؛ كمثل هذا الزبد؛ الذي يذهب جفاء؛ وكمثل خبث الحديد؛ وما تخرجه النار من وسخ الفضة؛ والذهب؛ الذي لا ينتفع به؛ وموضع "كذلك"؛ نصب.
قال
أبو زيد : يقال: "جفأت الرجل"؛ إذا صرعته؛ و"أجفأت القدر بزبدها"؛ إذا ألقت زبدها فيه؛ فيذهب جفاء؛ من هذا اشتقاقه؛ وموضع "جفاء": نصب؛ على الحال؛ وهو ممدود؛ وزعم البصريون؛ والكوفيون جميعا أن ما كان مثل "القماش"؛ و"القمام" و"الجفاء"؛ فهذه الأشياء تجيء على مثال "فعال".