وقوله - سبحانه -:
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ؛ ترك جواب "لو"؛ لأن في الكلام دليلا عليه؛ وكان المشركون سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفسح لهم في
مكة ؛ ويباعد بين جبالها؛ حتى يتخذوا فيها قطائع؛ وبساتين؛ وأن يحيي لهم قوما سموهم له؛ فأعلمهم الله - عز وجل - أن لو فعل ذلك بقرآن؛ لكان يفعل بهذا القرآن.
والذي أتوهمه - والله أعلم - وقد قاله بعض أهل اللغة - أن المعنى: "لو أن قرآنا سيرت به الأرض أو كلم به الموتى لما آمنوا به"؛ ودليل هذا القول قوله:
ولو أننا نـزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [ ص: 149 ] وقوله - عز وجل -:
أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس ؛ قيل: إنها لغة للنخع؛ "ييأس"؛ في معنى "يعلم"؛ وأنشدوا:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وقرئت: "أفلم يتبين الذين آمنوا"؛ وقال بعض أهل اللغة: أفلم يعلم الذين آمنوا علما ييأسوا معه من أن يكون غير ما علموه"؛ والقول عندي - والله أعلم - أن معناه: "أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون"؛ لأنه قال:
لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ؛ "جميعا"؛ منصوب على الحال.
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ؛ قيل: "سرية"؛ ومعنى "قارعة"؛ في اللغة: نازلة شديدة؛ تنزل بأمر عظيم.