[ ص: 171 ] سورة "الحجر"
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله:
ربما يود الذين كفروا ؛ قرئت: "ربما يود"؛ بتشديد الباء؛ وتخفيفها؛ والعرب تقول: "رب رجل جاءني"؛ ويخففون فيقولون: "رب رجل"؛ قال الحادرة:
فسمي ما يدريك أن رب فتية باكرت لذتهم بأدكن مترع
يريد "سمية"؛ فرخم .
[ ص: 172 ] ويسكنون في التخفيف؛ فيقولون: "رب رجل قد جاءني"؛ وأنشدوا بيت
الهذلي :
أزهير إن يشب القذال فإنني رب هيضل لجب لففت بهيضل
ويقولون: "ربتا رجل"؛ و"ربت رجل"؛ ويقولون: "رب رجل"؛ فيفتحون الراء؛ و"ربما رجل جاءني"؛ بفتح الراء؛ و"ربتما رجل"؛ فيفتحون؛ حكى ذلك
قطرب .
فأما تفسير الآية ففيه غير قول؛ قيل: إنه إذا كان يوم القيامة؛ وعاين الكافر القيامة؛ ود لو كان مسلما ؛ وقيل: إنه إذا عاين الموت؛ ود لو أنه مسلم؛ وقيل: إذا كان يوم القيامة أخرج المسلمون من النار؛ فود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
وقيل: يعير أهل النار الكفرة المسلمين؛ قائلين: ما نفعكم إيمانكم؛ فيغضب الله - عز وجل - لذلك؛ فيخرجهم من النار؛ فيود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
والذي أراه - والله أعلم - أن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب؛ ورأى حالا عليها أحوال المسلم؛ ود لو كان مسلما؛ فهذه الأحوال كلها تحتملها الآية؛ فإن قال قائل: فلم كانت "رب"؛ ههنا؛ ورب للتقليل؟ فالجواب في هذا أن العرب خوطبت بما تعقله في التهدد.
والرجل يتهدد الرجل فيقول له: "لعلك ستندم على فعلك"؛ وهو لا يشك في أنه يندم؛ وتقول له: "ربما ندم الإنسان من مثل ما صنعت"؛ وهو يعلم أن الإنسان يندم كثيرا؛ ولكن مجازه أن
[ ص: 173 ] هذا لو كان مما يود في حال واحدة من أحوال العذاب؛ أو كان الإنسان يخاف أن يندم على الشيء؛ لوجب عليه اجتنابه؛ والدليل على أنه على معنى التهدد قوله - عز وجل -:
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون
وجائز أن يكون - والله أعلم - أن أهوال يوم القيامة تسكرهم؛ وتشغلهم عن التمني؛ فإذا أفاقوا من سكرة من سكرات العذاب ودوا لو كانوا مسلمين.
فأما من قال: إن "رب"؛ يعنى بها الكثير؛ فهذا ضد ما يعرفه أهل اللغة؛ لأن الحروف التي جاءت لمعنى تكون على ما وضعت العرب؛ فـ "رب"؛ موضوعة للتقليل؛ و"كم"؛ موضوعة للتكثير؛ وإنما خوطبوا بما يعقلون؛ ويستفيدون؛ وإنما زيدت "ما"؛ مع "رب"؛ ليليها الفعل؛ تقول: "رب رجل جاءني"؛ و"ربما جاءني رجل".