وقوله - عز وجل -:
إن الصفا والمروة من شعائر الله ؛ " الصفا " ؛ في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة؛ التي لا تنبت شيئا؛ وهو جمع؛ واحدته " صفاة " ؛ و " صفا " ؛ مثل " حصاة " ؛ و " حصى " ؛ و " المروة " ؛ و " المرو " : الحجارة اللينة؛ وهذان الموضعان من شعائر الله؛ أي: من أعلام متعبداته؛ وواحدة الشعائر " شعيرة " ؛ والشعائر كل ما كان من موقف؛ أو مسعى؛ وذبح؛ وإنما قيل: " شعائر " ؛ لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم: " شعرت به " : علمته؛ فلهذا سميت الأعلام التي هي متعبدات " شعائر " . وقوله - عز وجل -:
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؛ وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما؛ لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما؛ فقيل: إن نصب الأوثان بينهما قبل الإسلام لا يوجب
[ ص: 234 ] اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام؛ والمشاعر؛ طهرت بالإسلام من الأوثان وغيرها؛ فأعلم الله - عز وجل - أن هذين من شعائره؛ وأنه لا جناح في الطواف بينهما؛ وأن من تطوع بذلك فالله شاكر عليم؛ والشكر من الله - عز وجل - المجازاة؛ والثناء الجميل؛ والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا؛ والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة؛ إلا أنه يطوف بالبيت الحاج والمعتمر؛ وغير الحاج والمعتمر؛ ومعنى قولهم: " حجحت " ؛ في اللغة: قصدت؛ وكل قاصد شيئا فقد حجه؛ وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره؛ قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر - في قوله: " اعتمر " ؛ أي: قصد -:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر ... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله - عز وجل -:
فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؛ أي: لا إثم عليه؛ و " الجناح " : أخذ من " جنح " ؛ إذا مال؛ وعدل عن القصد؛ وأصل ذلك من " جناح الطائر " ؛ و
أن يطوف بهما ؛ فيه غير وجه: يجوز: " أن يطوف " ؛ و " أن يطوف " ؛ و " أن يطوف بهما " ؛ فمن قرأ: " أن يطوف بهما " ؛ أراد: " أن يتطوف " ؛ فأدغمت التاء في الطاء؛ لقرب المخرجين؛ ومن قرأ: " أن يطوف بهما " ؛ فهو من " طوف " ؛ إذا أكثر التطواف؛ وفي قوله - عز وجل -:
ومن تطوع خيرا ؛ وجهان: إن شئت قلت: " ومن تطوع خيرا " ؛ على لفظ المضي؛ ومعناه الاستقبال؛ لأن
[ ص: 235 ] الكلام شرط وجزاء؛ فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال؛ ومن قرأ: " يطوع " ؛ فالأصل: " يتطوع " ؛ فأدغمت التاء في الطاء؛ ولست تدغم حرفا من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه.