وقوله:
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ؛ تقرأ: "أمرنا"؛ مخففة؛ على تقدير: "فعلنا"؛ وتقرأ: "آمرنا مترفيها"؛ على تقدير: "أفعلنا"؛ ويقرأ: "أمرنا"؛ بتشديد الميم؛ فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر؛ المعنى: "أمرناهم بالطاعة ففسقوا"؛ فإن قال قائل: ألست تقول: "أمرت زيدا فضرب عمرا"؛ فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه؛ فهذا اللفظ لا يدل على
[ ص: 232 ] غير الضرب؛ ومثل قوله:
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ؛ من الكلام: "أمرتك فعصيتني"؛ فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر ؛ وكذلك الفسق مخالفة أمر الله - جل ثناؤه -؛ وقد قيل: إنما معنى "أمرنا مترفيها": "كثرنا مترفيها"؛ والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696129 "خير المال سكة مأبورة؛ ومهرة مأمورة" ؛ أي: مكثرة؛ والعرب تقول: "قد أمر بنو فلان"؛ إذا كثروا؛ قال الشاعر:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للهلك والنفد
ويروى "بالنقد"؛ بالقاف؛ ومن قرأ: "آمرنا"؛ فتأويله "أكثرنا"؛ والكثرة ههنا يصلح أن تكون شيئين؛ أحدهما أن يكثر عدد المترفين؛ والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم؛ ومن قرأ: "أمرنا"؛ بالتشديد؛ فمعناه: "سلطنا مترفيها"؛ أي: جعلنا لهم إمرة وسلطانا.