وقوله - عز وجل -:
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ؛ فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان; تتخذ من دونه الأنداد؛ وهي الأمثال؛ فأبان أن من الناس من يتخذ ندا؛ يعلم أنه لا ينفع؛ ولا يضر؛ ولا يأتي بشيء مما ذكرنا؛ وعنى بهذا مشركي العرب. وقوله - عز وجل -:
يحبونهم كحب الله ؛ أي: يسوون بين هذه الأوثان وبين الله - عز وجل - في المحبة؛ وقال بعض النحويين؛ يحبونهم كحبكم أنتم لله؛ وهذا قول ليس بشيء؛ ودليل نقضه قوله:
والذين آمنوا أشد حبا لله ؛ والمعنى أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المحبون حقا.
[ ص: 238 ] وقوله - عز وجل -:
ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ؛ في هذا غير وجه؛ يجوز: " أن القوة لله... وأن الله " ؛ ويجوز: " أن القوة لله... وإن الله " .
" ولو يرى الذين ظلموا " ؛ وتفتح " أن " ؛ مع " ترى " ؛ وتكسر؛ وكل ذلك قد قرئ به؛ قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة... وإن الله " ؛ ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا؛ إن شاء الله؛ من قرأ: " أن القوة " ؛ فموضع " أن " : نصب؛ بقوله: " ولو يرى الذين ظلموا... أن القوة لله جميعا " ؛ وكذلك نصب " أن " ؛ الثانية؛ والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته؛ لعلموا مضرة اتخاذهم الأنداد؛ وقد جرى ذكر الأنداد في قوله:
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ؛ ويجوز أن يكون العامل في " أن " ؛ الجواب؛ على ما جاء في التفسير؛ يروى في تفسير هذا أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا؛ ففتح " أن " ؛ أجود؛ وأكثر في القراءة؛ وموضعها نصب في هاتين الجهتين؛ على ما وصفنا؛ ويجوز أن تكون " إن " ؛ مكسورة مستأنفة؛ فيكون جواب " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " : " لرأوا أمرا عظيما؛ لا تبلغ صفته " ; لأن جواب " لو " ؛ إنما يترك لعظيم الموصوف؛ نحو قوله - عز وجل -:
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ؛ المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف؛ وتكون " أن القوة لله جميعا " ؛ على الاستئناف؛ يخبر بقوله: " أن القوة لله جميعا " ؛ ويكون الجواب المتروك غير معلق ب " أن " ؛ ومن قرأ: " ولو ترى الذين ظلموا " ؛ فإن التاء خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ يراد به الناس؛
[ ص: 239 ] كما قال:
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ؛ فهو بمنزلة: " ألم تعلموا؟ " ؛ وكذلك " ولو ترى الذين ظلموا " ؛ بمنزلة: " ولو ترون " ؛ وتكون " أن القوة لله جميعا " ؛ مستأنفة؛ كما وصفنا؛ ويكون الجواب - والله أعلم -: " لرأيتم أمرا عظيما؛ كما يقول: " لو رأيت فلانا والسياط تأخذه " ؛ فيستغنى عن الجواب؛ لأن المعنى معلوم؛ ويجوز فتح " أن " ؛ مع " ترى " ؛ فيكون: " لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة لله جميعا " ؛ أو: " لرأيتم أن الأنداد لم تنفع؛ وإنما بلغت الغاية في الضرر؛ لأن القوة لله جميعا " ؛ و " جميعا " ؛ منصوبة على الحال؛ المعنى أن القوة ثابتة لله - عز وجل - في حال اجتماعها.