وقوله - عز وجل -:
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ؛ قيل: إنهم كانوا يزعمون أنه ليس لحمال؛ ولا أجير؛ ولا تاجر؛ حج؛ فأعلمهم الله - عز وجل - أن ذلك مباح؛ وأنه لا جناح فيه؛ أي: لا إثم فيه؛ و " جناح " ؛ اسم " ليس " ؛ والخبر " عليكم " ؛ وموضع " أن " ؛ نصب؛ على تقدير: " ليس عليكم جناح في أن تبتغوا " ؛ فلما أسقطت " في " ؛ عمل فيها معنى " جناح " ؛ المعنى: " لستم تأثمون أن تبتغوا... " ؛ أي: " في أن تبتغوا... " .
[ ص: 272 ] وقوله - عز وجل -:
فإذا أفضتم من عرفات ؛ قد دل بهذا اللفظ أن الوقوف بها واجب؛ لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف؛ ومعنى " أفضتم " : دفعتم بكثرة؛ ويقال: " أفاض القوم في الحديث " ؛ إذا اندفعوا فيه؛ وأكثروا التصرف؛ و " أفاض الرجل إناءه " ؛ إذا صبه؛ و " أفاض البعير بجرته " ؛ إذا رمى بها متفرقة كثيرة؛ قال الراعي:
وأفضن بعد كظومهن بجرة ... من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا
و " أفاض الرجل بالقداح " ؛ إذا ضرب بها؛ لأنها تقع منبعثة؛ متفرقة؛ قال
أبو ذؤيب :
وكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
وكل ما في اللغة من باب الإفاضة فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة. وقوله - عز وجل -:
من عرفات ؛ القراءة والوجه: الكسر؛ والتنوين؛ و " عرفات " : اسم لمكان واحد؛ ولفظه لفظ الجمع؛ والوجه فيه الصرف؛ عند جميع النحويين؛ لأنه بمنزلة " الزيدين " ؛ يستوي نصبه وجره؛ وليس بمنزلة هاء التأنيث؛ وقد يجوز منعه من الصرف إذا كان اسما لواحد؛ إلا أنه لا يكون إلا مكسورا؛ وإن أسقطت التنوين؛ قال امرؤ القيس:
[ ص: 273 ] تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال
فهذا أكثر الرواية؛ وقد أنشد بالكسر بغير تنوين؛ وأما الفتح فخطأ؛ لأن نصب الجمع وفتحه: كسر. وقوله - عز وجل -:
فاذكروا الله عند المشعر الحرام ؛ هو مزدلفة؛ وهي جمع؛ يسمى بهما جميعا المشعر المتعبد. وقوله - عز وجل -:
واذكروه كما هداكم ؛ موضع الكاف نصب؛ والمعنى: واذكروه ذكرا مثل هدايته إياكم؛ أي: يكون جزاء لهدايته إياكم؛ واذكروه بتوحيده؛ والثناء عليه؛ والشكر. وقوله - عز وجل -:
وإن كنتم من قبله لمن الضالين ؛ معنى " من قبله " : أي: من قبل هدايته؛ ومعنى " كنتم من قبله لمن الضالين " : هذا من التوكيد للأمر؛ كأنه قيل: وما كنتم من قبله إلا ضالين.