وقوله - عز وجل -:
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ؛ أنبأ الله المؤمنين بما يسره المنافقون من الكفر؛ ومعنى " شياطينهم " ؛ في اللغة: " مردتهم؛ وعتاتهم في الكفر " ؛ ويقال: " خلوت إليه " ؛ و " معه " ؛ ويقال: " خلوت به " ؛ وهو على ضربين؛ أحدهما: " جعلت خلوتي معه " ؛ كما قال: " خلوت إليه " ؛ أي: جعلت خلوتي معه؛ وكذلك يقال: " خلوت إليه " ؛ ويصلح أن يكون " خلوت به " : " سخرت منه " .
ونصب " معكم " ؛ كنصب الظروف؛ تقول: " إنا معكم " ؛ و " إنا خلفكم " ؛ معناه: إنا مستقرون معكم؛ ومستقرون خلفكم؛ والقراءة المجمع عليها فتح العين؛ وقد يجوز في الاضطرار إسكان العين؛ ولا يجوز أن يقرأ بها؛ ويجوز " إنا معكم " ؛ للشاعر؛ إذا اضطر؛ قال الشاعر:
قريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
[ ص: 89 ] وفي قوله - عز وجل -:
خلوا إلى ؛ وجهان؛ إن شئت أسكنت الواو؛ وخففت الهمزة وكسرتها؛ فقلت: " خلوا الى " ؛ وإن شئت ألقيت الهمزة؛ وكسرت الواو؛ فقلت: " خلو لى " ؛ وكذلك يقرأ أهل الحجاز؛ وهو جيد بالغ؛ و " إنا " ؛ الأصل فيه: " إننا " ؛ كما قال الله - عز وجل -:
إنني معكما ؛ ولكن النون حذفت لكثرة النونات؛ والمحذوف النون الثانية من " إن " ؛ لأن في " إن " ؛ نونين؛ الأولى ساكنة؛ والثانية متحركة. وقوله - عز وجل -:
إنما نحن مستهزئون ؛ " نحن " ؛ مبنية على الضم؛ لأن " نحن " يدل على الجماعة؛ وجماعة المضمرين يدل عليهم - إذا ثنيت الواحد من لفظه - الميم؛ والواو؛ نحو: " فعلوا " ؛ و " أنتم " ؛ فالواو من جنس الضمة؛ فلم يكن بد من حركة " نحن " ؛ فحركت بالضم؛ لأن الضم من الواو; ألا ترى أن واو الجماعة إذا حركت لالتقاء الساكنين؛ ضمت؛ نحو
اشتروا الضلالة ؟ وقد حركها بعضهم إلى الكسر؛ فقال: " اشتروا الضلالة " ؛ لأن اجتماع الساكنين يوجب كسر الأولى؛ إذا كانا من كلمتين؛ والقراءة المجمع عليها:
اشتروا الضلالة ؛ بالضم؛ وقد رويت: " اشتروا الضلالة " ؛ بالفتح؛ وهو شاذ جدا؛ و " مستهزئون " ؛ القراءة الجيدة فيه تحقيق الهمزة؛ فإذا خففت الهمزة جعلت الهمزة بين الواو؛ والهمزة؛ فقلت: " مستهزوون " ؛ فهذا الاختيار بعد التحقيق؛
[ ص: 90 ] ويجوز أن تبدل من الهمزة ياء؛ فتقول: " مستهزيون " ؛ فأما " مستهزون " ؛ فضعيف؛ لا وجه له إلا شاذا؛ على لغة من أبدل الهمزة ياء؛ فقال في " استهزأت " : " استهزيت " ؛ فيجب على لغة " استهزيت " ؛ أن يقال: " مستهزون " .