وقوله - عز وجل -:
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ؛ " كافة " ؛ بمعنى الجمع والإحاطة؛ فيجوز أن يكون معناه: " ادخلوا جميعا " ؛ ويجوز أن يكون معناه: " ادخلوا في السلم كله " ؛ أي: في جميع شرائعه؛ ويقال: " السلم " ؛ و " السلم " ؛ جميعا؛ ويعنى به الإسلام؛ والصلح؛ وفيه ثلاث لغات: يقال: " السلم " ؛ و " السلم " ؛ و " السلم " ؛ وقد قرئ به:
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ؛ ومعنى " كافة " ؛ في اشتقاق اللغة: ما يكف الشيء من آخره؛ من ذلك " كفة القميص " ؛ يقال لحاشية القميص: " كفة " ؛ وكل مستطيل فحرفه " كفة " ؛ ويقال في كل مستدير: " كفة " ؛ وذلك نحو: " كفة الميزان " ؛ ويقال: إنما سميت " كفة الثوب " ؛ لأنها تمنعه أن ينتشر؛ وأصل " الكف " : المنع؛ ومن هذا قيل لطرف اليد " كف " ؛ لأنها يكف بها عن سائر البدن؛ وهي الراحة؛ مع الأصابع؛ ومن هذا قيل: " رجل مكفوف " ؛ أي: قد كف بصره من أن ينظر؛ فمعنى الآية: ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه؛ فكفوا من أن تعدوا شرائعه؛ أو: ادخلوا كلكم حتى يكف عن عدد وأحد لم يدخل فيه؛ وقيل في معنى الآية أن قوما من اليهود أسلموا؛ فأقاموا على تحريم السبت؛ وتحريم أكل لحوم الإبل؛ فأمرهم الله - عز وجل - أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام؛ وقال بعض أهل اللغة: جائز أن يكون أمرهم - وهم مؤمنون - أن يدخلوا في الإيمان؛ أي: بأن يقيموا على الإيمان؛ ويكونوا فيما يستقبلون عليه؛ كما قال:
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل ؛ وكلا القولين
[ ص: 280 ] جائز؛ لأن الله - عز وجل -؛ قد أمر بالإقامة على الإسلام؛ فقال:
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وقوله - عز وجل -:
ولا تتبعوا خطوات الشيطان ؛ أي: لا تقتفوا آثاره؛ لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان؛ " خطوات " : جمع " خطوة " ؛ وفيها ثلاث لغات: " خطوات " ؛ و " خطوات " ؛ و " خطوات " ؛ وقد بينا العلة في هذا الجمع فيما سلف من الكتاب.