وقوله (تعالى):
إن قارون كان من قوم موسى ؛ "
قارون " ؛ اسم أعجمي لا ينصرف؛ ولو كان " فاعولا " ؛ من العربية؛ من " قرنت الشيء " ؛ لا يصرف؛ فلذلك لم ينون؛ وجاء في التفسير أن
قارون كان ابن عم
موسى؛ وكان من
[ ص: 154 ] العلماء بالتوراة؛ فبغى على
موسى؛ وقصد إلى الإفساد عليه؛ وتكذيبه؛ وكان من طلبه للإفساد عليه أن بغيا كانت مشهورة في بني إسرائيل؛ فوجه إليها
قارون - وكان أيسر أهل زمانه -؛ يأمرها أن تصير إليه؛ وهو في ملإ من أصحابه؛ لتتكذب على
موسى؛ وتقول: إنه طلبني للفساد؛ والريبة؛ وضمن لها قارون إن فعلت ذلك أن يخلطها بنسائه؛ وأن يعطيها على ذلك عطاء كبيرا؛ فجاءت المرأة
وقارون جالس مع أصحابه؛ ورزقها الله التوبة؛ فقالت في نفسها: ما لي مقام توبة مثل هذا؛ فأقبلت على أهل المجلس
وقارون حاضر؛ فقالت لهم: إن
قارون هذا وجه إلي يأمرني ويسألني أن أتكذب على
موسى؛ وأن أقول: إنه أرادني للفساد؛ وإن
قارون كاذب في ذلك؛ فلما سمع قارون كلامها تحير؛ وأبلس؛ واتصل الخبر
بموسى - عليه السلام -؛ فجعل الله أمر
قارون إلى
موسى؛ وأمر الأرض أن تطيعه فيه؛ فورد
موسى على
قارون؛ فأحس
قارون بالبلاء؛ فقال: يا
موسى ارحمني؛ فقال: " يا أرض خذيه " ؛ فخسف به وبداره إلى ركبتيه؛ فقال: يا موسى ارحمني؛ فقال: " يا أرض خذيه " ؛ فخسف به إلى سرته؛ ثم قال: " يا أرض خذيه " ؛ فخسف به إلى عنقه؛ واسترحم موسى؛ فقال: " يا أرض خذيه " ؛ فخسف به حتى ساخت الأرض به وبداره؛ قال الله - عز وجل -:
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وقوله (تعالى):
وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ؛ روي في التفسير أن مفاتحه كانت من جلود على مقادر الإصبع؛ وكانت تحمل على سبعين بغلا؛ أو ستين بغلا؛ وجاء أيضا أن " مفاتحه " :
[ ص: 155 ] " خزائنه " ؛ وقيل: إن العصبة ههنا سبعون رجلا؛ وقيل: أربعون؛ وقيل: ما بين الخمسة عشر؛ إلى الأربعين؛ وقيل: ما بين الثلاث؛ إلى العشرة؛ و " العصبة " ؛ في اللغة: الجماعة الذين أمرهم واحد؛ يتابع بعضهم بعضا في الفعل؛ ويتعصب بعضهم لبعض؛ والأشبه فيما جاء في التفسير أن " مفاتحه " : " خزائنه " ؛ وأنها خزائن المال الذي يحمل على سبعين؛ أو على أربعين بغلا - والله أعلم -؛ لأن مفاتح جلود على مقدار الإصبع؛ تحمل على سبعين بغلا للخزائن أمر عظيم - والله أعلم -؛ ومعنى " لتنوء بالعصبة " : لتثقل العصبة؛ قال أبو زيد: يقال: " نؤت بالحمل؛ أنوء به؛ نوءا " ؛ إذا نهضت به " ؛ و " ناء بي الحمل " ؛ إذا أثقلني؛ وقوله:
إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ؛ جاء في التفسير: لا تأشر إن الله لا يحب الأشرين؛ و " لا تفرح " ؛ ههنا - والله أعلم -؛ أي: لا تفرح لكثرة المال في الدنيا؛ لأن الذي يفرح بالمال ويصرفه في غير أمر الآخرة مذموم فيه؛ قال الله - عز وجل -:
لكيلا تأسوا على ما فاتكم ؛ والدليل على أنهم أرادوا " لا تفرح بالمال في الدنيا " ؛ قولهم:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ؛ " ولا تنس نصيبك من الدنيا " ؛ أي: " لا تنس أن تعمل به لآخرتك؛ لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته.