وقوله - عز وجل -:
إن الله مبتليكم بنهر ؛ معناه: مختبركم؛ وممتحنكم بنهر؛ وهذا لا يجوز أن يقوله إلا نبي؛ لأن الله - عز وجل - قال:
عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ؛ ومعنى الاختبار بهذا النهر كان ليعلم طالوت من له نية القتال معه؛ ومن ليست له نية؛ فقال:
فمن شرب منه فليس مني ؛ أي: ليس من أصحابي؛ ولا ممن تبعني؛ ومن لم يطعمه؛
ومن لم يطعمه فإنه مني ؛ أي: لم يتطعم به؛
إلا من اغترف غرفة بيده ؛ " غرفة " ؛ و " غرفة " ؛ قرئ بهما جميعا؛ فمن قال: " غرفة " ؛
[ ص: 331 ] كان معناه: غرفة واحدة باليد؛ ومن قال: " غرفة " ؛ كان معناه: مقدار ملء اليد؛ ومعنى
فشربوا منه إلا قليلا منهم ؛ شربوا منه ليرجعوا عن الحرب؛ لأنه قد أعلمهم ذلك؛ وذكر في التفسير أن القليل الذين لم يشربوا كان عدتهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا؛ كعدد أهل بدر؛ وقوله - عز وجل - ;
فلما جاوزه ؛ أي: جاوز النهر؛ هو والذين معه؛ قيل: لما رأوا قلتهم؛ قال بعضهم لبعض:
لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ؛ أي: لا قوة؛ يقال: " أطقت الشيء؛ إطاقة؛ وطوقا " ؛ مثل " أطعت؛ طاعة؛ وإطاعة؛ وطوعا " . وقوله - عز وجل -:
قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله ؛ قيل فيه قولان: قال بعضهم - وهو مذهب أهل اللغة -: قال الذين يوقنون أنهم ملاقو الله؛ قالوا: ولو كانوا شاكين لكانوا ضلالا؛ كافرين؛ و " ظننت " ؛ في اللغة؛ بمعنى " أيقنت " ؛ موجود؛ قال الشاعر - وهو دريد:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد
أي: أيقنوا؛ وقال أهل التفسير: معنى " يظنون أنهم ملاقو الله " ؛ أي أنهم كانوا يتوهمون أنهم في هذه الموقعة يقتلون في سبيل الله؛ لقلة عددهم؛ وعظم عدد عدوهم؛ وهم أصحاب جالوت.
[ ص: 332 ] وقوله - عز وجل -:
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ؛ أي: كم من فرقة! وإنما قيل للفرقة: " فئة " ؛ من قولهم: " فأوت رأسه بالعصا " ؛ و " فأيت " ؛ إذا شققته؛ ف " الفئة " : الفرقة؛ من هذا. وقوله - عز وجل -:
والله مع الصابرين ؛ أي أن الله ينصر الصابرين؛ إذا صبروا على طاعته؛ وما يزلف عنده.