وقوله:
يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ؛ وتقرأ: " مثقال حبة " ؛ الآية؛ إلى قوله:
لطيف خبير ؛ أي: " لطيف في استخراجها؛ خبير بمكانها " ؛ ويقال: " في صخرة " ؛ أي: في الصخرة التي تحت الأرض؛ ويروى أن
ابن لقمان سأل
لقمان؛ فقال: أرأيت الحبة تكون في مقل البحر - أي: في مغاص البحر - أيعلمها الله؟! يقال: " مقل؛ يمقل " ؛ إذا غاص؛ فأعلمه أن الله - عز وجل - يعلم الحبة حيث كانت؛ وفي أخفى المواضع؛ لأن الحبة في الصخرة أخفى من الماء؛ ثم أعلمه أنها حيث كانت يعلمها بلطفه - عز وجل -؛ وخبرته؛ وهذا مثل لأعمال العباد؛ أن الله يأتي بأعمالهم يوم القيامة؛
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ؛ فأما رفع " مثقال " ؛ مع تأنيث " تك " ؛ فلأن " مثقال حبة من خردل " ؛ راجع إلى معنى " خردلة " ؛ فهو بمنزلة " إن تك حبة من خردل " ؛ ومن قرأ: " إنها إن تك مثقال حبة " ؛ بالنصب؛ فعلى معنى: " إن التي سألتني عنها إن تك
[ ص: 198 ] مثقال حبة " ؛ وعلى معنى: " إن فعلة الإنسان وإن صغرت يأت الله بها؛ ويجوز: " إنها إن تك - بالتاء - مثقال حبة من خردل " ؛ على معنى: " إن القصة كما تقول: إنها هند قائمة " ؛ ولو قلت: " إنها زيد قائم " ؛ لجاز؛ إلا أن النحويين يختارون ذلك مع المذكر؛ ويجيزون مع المؤنث التأنيث؛ والتذكير؛ يقولون: " إنه هند قائمة " ؛ و " إنها أمة الله قائمة " ؛ فيجيزون الوجهين؛ فأما " إنها إن تك مثقال حبة من خردل " ؛ عند من لا يجيز " إنها زيد قائم " ؛ فيجوز عنده هذا؛ لأن معناه التأنيث برد " ما " ؛ إلى الحبة من الخردل.