وقوله - عز وجل -:
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ؛ أي: إلا قدر طاقتها؛ لا يكلفها فرضا من فروضه؛ من صوم؛ أو صلاة؛ أو صدقة؛ أو غير ذلك؛ إلا بمقدار طاقتها؛ ومعنى:
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ؛ أي: لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ كما قال - جل وعز -:
ولا تزر وازرة وزر أخرى [ ص: 370 ] ومعنى:
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ؛ قيل فيه قولان: قال بعضهم: إنه على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عفي لهذه الأمة عن نسيانها؛ وما حدثت به أنفسها " ؛ وقيل: "
إن نسينا أو أخطأنا " ؛ أي: إن تركنا؛ و " أو أخطأنا " ؛ أي: كسبنا خطيئة؛ والله أعلم؛ إلا أن هذا الدعاء أخبر الله به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والمؤمنين؛ وجعله في كتابه ليكون دعاء من يأتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والصحابة - رحمهم الله -؛ وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=657188أن الله - جل وعز - قال في كل فصل من هذا الدعاء: (فعلت.. فعلت)؛ أي: استجبت؛ فهو من الدعاء الذي ينبغي أن يحفظ؛ وأن يدعى به كثيرا. وقوله - جل وعز -:
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ؛ كل عقد من قرابة؛ أو عهد؛ فهو إصر؛ العرب تقول: " ما تأصرني على فلان آصرة " ؛ أي: ما تعطفني عليه قرابة؛ ولا منة؛ قال
الحطيئة :
عطفوا علي بغير آ ... صرة فقد عظم الأواصر
أي: عطفوا علي بغير عهد قرابة؛ و " المأصر " ؛ من هذا مأخوذ؛ إنما هو عقد ليحبس به؛ ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء: " الإصار " ؛ فالمعنى: لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا؛ نحو ما
[ ص: 371 ] أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم؛ أي: لا تمتحنا بما يثقل أيضا؛ نحو قوله:
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ؛ والمعنى: لا تمتحنا بمحنة تثقل.
ومعنى:
ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي: ما يثقل علينا؛ فإن قال قائل: فهل يجوز أن يحمل الله أحدا ما لا يطيق؟ قيل له: إن أردت ما ليس في قدرته البتة فهذا محال؛ وإن أردت ما يثقل ويخف؛ فلله - عز وجل - أن يفعل من ذلك ما أحب؛ لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم يثقل؛ وهذا كقول القائل: " ما أطيق كلام فلان " ؛ فليس المعنى: ليس في قدرتي أن أكلمه؛ ولكن معناه في اللغة أنه يثقل علي.
ومعنى:
فانصرنا على القوم الكافرين ؛ أي: انصرنا عليهم في إقامة الحجة عليهم؛ وفي غلبنا إياهم في حربهم؛ وسائر أمرهم؛ حتى تظهر ديننا على الدين كله؛ كما وعدتنا.
[ ص: 372 ]