وقوله - عز وجل -:
فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ؛ إن شئت أسكنت الياء من " وجهي " ؛ وإن شئت فتحتها؛ فقلت: " أسلمت وجهي لله " ؛ وقد فسرنا أمر هذه الياء فيما سلف؛ والمعنى أن الله - عز وجل - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتج على أهل الكتاب والمشركين بأنه اتبع أمر الله الذي هم أجمعون مقرون بأنه خالقهم؛ فدعاهم إلى ما أقروا به؛ وأراهم الدلالات؛ والآيات التي قد شرحنا ذكرها؛ بأنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ومعنى " أسلمت وجهي لله " ؛ أي: قصدت بعبادتي إلى الله - جل ثناؤه - وأقررت أنه لا إله غيره؛ وكذلك من اتبعني؛ ويجوز في اللغة: " أسلمت وجهي " ؛ أي: أسلمت نفسي؛ قال الله - عز وجل -
كل شيء هالك إلا وجهه ؛
[ ص: 389 ] وقال:
ويبقى وجه ربك ؛ المعنى: ويبقى ربك؛ والمعنى: كل شيء هالك إلا الله - عز وجل.
ومن اتبعن ؛ لك حذف الياء؛ وإثباتها؛ والأحب إلي في هذا اتباع المصحف؛ لأن اتباعه سنة؛ ومخالفته بدعة؛ وما حذف من هذه الياءات - نحو: " ومن اتبعن " ؛ " لئن أخرتن إلى يوم القيامة " ؛ ونحو: " فيقول ربي أكرمن " ؛ " فيقول: ربي أهانن " - فهو على ضربين مع النون؛ فإذا كان رأس آية؛ فأهل اللغة يسمون أواخر الآي " الفواصل " ؛ فيجيزون حذف الياءات؛ كما يجيزونه في قوافي الشعر؛ كما قال
الأعشى :
ومن شانئ كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن
وهل يمنعني ارتيادي البلا
... د من حذر الموت أن يأتين
المعنى: " أن يأتيني " ؛ و " أنكرني " ؛ فإذا لم يكن آخر قافية؛ أو آخر آية؛ فالأكثر إثبات الياء؛ وحذفها جيد بالغ أيضا؛ بخاصة مع النونات؛ إلا أن أصل " اتبعني " : " اتبعي " ؛ ولكن النون زيدت لتسلم فتحة العين؛ فالكسرة مع النون تنوب عن الياء؛ فإذا لم تكن النون - نحو " غلامي " ؛ و " صاحبي " - فالأجود إثباتها؛ وحذفها مع غير النون أقل منه مع النون؛ إلا أنه جائز؛ نقول: " هذا غلام قد جاء " ؛ والأجود: " هذا غلامي قد جاء " ؛ و " غلامي قد جاء " ؛ بفتح الياء؛ وإسكانها؛ وحذفها جائز؛ لأن الكسرة دالة عليها.
[ ص: 390 ] وقوله - تبارك اسمه -:
وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؛ " الذين أوتوا الكتاب " : اليهود والنصارى؛ والأميون: مشركو العرب؛ لأنهم إنما نسبوا إلى ما عليه الأمة في الخلقة؛ لأن الإنسان يخلق غير كاتب؛ فهذا معنى " الأميين " ؛ وقال بعض النحويين: معنى " أأسلمتم الأمر " ؛ معناه عندهم: أسلموا؛ وحقيقة هذا الكلام أنه لفظ استفهام معناه التوقيف والتهديد؛ كما تقول للرجل بعد أن تأمره وتؤكد عليه: " أقبلت؛ وإلا فأنت أعلم " ؛ فأنت إنما تسأله متوعدا في مسألتك؛ لعمري هذا دليل أنك تأمره بأن يفعل؛ ومعنى
وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ؛ أي: ليس عليك هداهم؛ إنما عليك إقامة البرهان لهم؛ فإذا بلغت فقد أديت ما عليك. وقوله - جل وعز -:
والله بصير بالعباد ؛ أي: بصير بما يقطع عذرهم فيما دلهم به على وحدانيته؛ وتثبيت رسله؛