وذكر الله - جل وعز - بعد هذا التقديس والتعظيم أمر المنافقين؛ فقال:
لا يتخذ المؤمنون الكافرين ؛ القراءة بالجزم؛ وكسر الذال؛ لالتقاء الساكنين؛ ولو رفعت لكان وجها؛
[ ص: 396 ] فقلت: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ؛ المعنى أنه من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر وليا؛ لأن ولي الكافر راض بكفره؛ فهو كافر؛ قال الله - جل وعز -:
ومن يتولهم منكم فإنه منهم ؛ وقال:
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ؛ ومعنى: " من دون المؤمنين " : أي: لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن؛ أي: لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين؛ وهذا كلام جرى على المثل في المكان؛ كما تقول: " زيد دونك " ؛ فلست تريد أنه في موضع مستقل؛ وأنك في موضع مرتفع؛ ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان؛ وجعلت الخسة كالاستقبال في المكان؛ فالمعنى أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين؛ فهذا بيان قوله: " من دون المؤمنين " ؛ ومعنى:
ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ؛ أي: من يتول غير المؤمنين فالله بريء منه.
إلا أن تتقوا منهم تقاة ؛ و " تقية " ؛ قرئا جميعا؛ فأباح الله - جل وعز - الكفر مع القصة؛ و " التقية " : خوف القتل؛ إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع سلامة النية؛ وخوف القتل.
ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ؛
[ ص: 397 ] معنى: " نفسه " : " إياه " ؛ إلا أن النفس يستغنى بها هنا عن " إياه " ؛ وهو الكلام؛ وأما قوله - عز وجل -:
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ؛ فمما به خوطب العباد على قدر علمهم؛ ومعناه: تعلم ما عندي؛ وما في حقيقتي؛ ولا أعلم ما عندك؛ ولا ما في حقيقتك.
وفي قوله:
تؤتي الملك من تشاء ؛ أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه؛ وكذلك
وتنـزع الملك ممن تشاء ؛ أن تنزعه منه؛ إلا أنه حذف لأن في الكلام ما يدل عليه؛ ونصب:
يوم تجد كل نفس ؛ بقوله:
ويحذركم الله نفسه ؛ كأنه قال: " ويحذركم الله نفسه في ذلك اليوم " ؛ ويجوز أن يكون نصب على قوله:
وإلى الله المصير ؛ يوم تجد كل نفس؛ والقول الأول أجود.