ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ؛ أي: يعلمه ذلك وحيا وإلهاما؛ ونصب
ورسولا إلى بني إسرائيل ؛ على وجهين؛ أحدهما: " ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل " ؛ والاختيار عندي - والله أعلم -: " ويكلم الناس رسولا إلى بني إسرائيل " ؛ والدليل على ذلك أنه قال:
أني قد جئتكم بآية من ربكم ؛ فالمعنى - والله أعلم -: " ويكلمهم رسولا بأني قد جئتكم بآية من ربكم " ؛ ولو قرئت: " إني قد جئتكم " ؛ بالكسر؛ كان صوابا؛ المعنى: " إني قد جئتكم بآية من ربكم؛ أي: بعلامة تثبت رسالتي " . وقوله - جل وعز -:
أني أخلق لكم من الطين ؛ يصلح أن يكون خفضا؛ ورفعا؛ فالخفض على البدل من " آية " ؛ المعنى: " جئتكم بأني أخلق لكم من الطين " ؛ وجائز أن يكون: " إني أخلق لكم من الطين " ؛ يخبرهم بهذه الآية ما هي؛ أي: " أقول لكم: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " ؛ يقال: إنه صنع كهيئة الخفاش؛ ونفخ فيه فصار طيرا؛ وجاز أن يكون
فأنفخ فيه ؛ للفظ الطين؛ وقال - في موضع آخر -:
فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ؛ للفظ الهيئة.
وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ؛
[ ص: 414 ] " الأكمه " : الذي يولد أعمى؛ قال الراجز:
هرجت فارتد ارتداد الأكمه
وقوله - عز وجل -:
وأنبئكم بما تأكلون ؛ أي: أخبركم بمأكولكم؛ فجائز أن تكون " ما " ؛ ههنا؛ في موضع " الذي " ؛ والمعنى: " أنبئكم بالذي تأكلونه وتدخرونه " ؛ ويجوز أن يكون " ما " ؛ وما وقع بعدها بمنزلة المصدر؛ المعنى: " أنبئكم بأكلكم وادخاركم " ؛ والأول أجود.
ومعنى
تدخرون جاء في التفسير: ما تأكلون في غدوكم؛ و " تدخرون " ؛ بالدال؛ والذال؛ وقال بعض النحويين: إنما اختير " تدخرون " ؛ لأن التاء تدغم في الذال؛ نحو " تذكرون " ؛ فكرهوا " تذخرون " ؛ لأنه لا يشبه ذلك؛ فطلبوا حرفا بين التاء والذال؛ فكان ذلك الحرف الدال؛ وهذا يحتاج صاحبه إلى أن يعرف الحروف المجهورة والمهموسة؛ وهي - فيما زعم
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل - ضربان؛ فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه؛ ومنع النفس أن يجري معه؛ والمهموس حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه؛ وجرى معه النفس؛ وإنما قيل: " تدخرون " ؛ وأصله " تذخرون " : أي: " يفتعلون " ؛ من " الذخر " ؛ لأن الذال حرف مجهور؛ لا يمكن النفس أن يجري معه؛ لشدة اعتماده في مكانه؛ والتاء مهموسة؛ فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور؛ يشبه الذال في جهرها؛ وهو الدال؛ فصار " تذدخرون " ؛ ثم أدغمت الذال في الدال؛ وهذا أصل الإدغام؛ أن تدغم الأول في الثاني؛ و " تذخرون " ؛ جائز؛ فأما ما قال في الملبس فليس " تذخرون ملبسا " ؛ بشيء.