وقوله - عز وجل -:
ثم قفينا على آثارهم برسلنا ؛ أي: أتبعنا
نوحا وإبراهيم رسلا بعدهم؛
وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل ؛ جاء في التفسير أن الإنجيل آتاه الله
عيسى جملة واحدة؛ وقوله
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ؛ ويجوز: "رآفة"؛ على وزن "السماحة"؛ حكى
أبو زيد أنه يقال: "رؤفت بالرجل؛ رأفة"؛ وهي القراءة؛ وقد قرئت: "ورآفة".
[ ص: 130 ] وقوله:
ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ؛ هذه الآية صعبة في التفسير؛ ومعناها - والله أعلم - يحتمل ضربين؛ أحدهما أن يكون المعنى في قوله:
ورهبانية ابتدعوها ابتدعوا رهبانية؛ كما تقول: "رأيت زيدا؛ وعمرا أكرمته"؛ وتكون
ما كتبناها عليهم ؛ معناه: لم نكتبها عليهم البتة؛ ويكون
إلا ابتغاء رضوان الله ؛ بدلا من الهاء والألف؛ فيكون المعنى: "ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله"؛ وابتغاء رضوان الله: اتباع ما أمر به؛ فهذا - والله أعلم - وجه؛ وفيها وجه آخر في
ابتدعوها ؛ جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه؛ فاتخذوا أسرابا؛ وصوامع؛ فابتدعوا ذلك؛ فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا فيه؛ لزمهم تمامه؛ كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه؛ لزمه أن يتمه؛ وقوله - عز وجل -:
فما رعوها حق رعايتها ؛ على ضربين - والله أعلم -؛ أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم؛ والآخر - وهو أجود - أن يكونوا حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا به؛ كانوا تاركين لطاعة الله؛ فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها؛ ودليل ذلك قوله - عز وجل -:
فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ؛ أي: الذين آمنوا منهم بالنبي - عليه السلام.
[ ص: 131 ] وكثير منهم فاسقون ؛ أي: كافرون.