وقوله - عز وجل -:
الذين يذكرون الله ؛ هذا من نعت " أولي الألباب؛ أي: فهؤلاء يستدلون على توحيد الله - عز وجل - بخلق السماوات والأرض؛ وأنهم يذكرون الله في جميع أحوالهم؛
قياما وقعودا وعلى جنوبهم ؛ معناه: ومضطجعين؛ وصلح في اللغة أن يعطف ب " على " ؛ على " قياما وقعودا " ؛ لأن معناه ينبئ عن حال من أحوال تصرف الإنسان؛ تقول: " أنا أسير
[ ص: 499 ] إلى زيد ماشيا وعلى الخيل " ؛ المعنى: " ماشيا وراكبا؛ فهؤلاء المستدلون على حقيقة توحيد الله يذكرون الله في سائر هذه الأحوال؛ وقد قال بعضهم: " يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " ؛ أي: يصلون على جميع هذه الأحوال؛ على قدر إمكانهم في صحتهم؛ وسقمهم؛ وحقيقته عندي - والله أعلم - أنهم موحدون الله في كل حال؛
ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ؛ فيكون ذلك أزيد في بصيرتهم؛ لأن فكرتهم تريهم عظيم شأنهما؛ فيكون تعظيمهم لله على حسب ما يقفون عليه من آثار رحمته. وقوله - عز وجل -:
ربنا ما خلقت هذا باطلا ؛ معناه: " يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا " ؛ أي: خلقته دليلا عليك؛ وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك؛ لأن الأنبياء تأتي بما يعجز عنه المخلوقون؛ فهو كالسماوات والأرض في الدليل على توحيد الله؛
سبحانك ؛ معناه: براءة لك من السوء؛ وتنزيها لك من أن تكون خلقتهما باطلا؛
فقنا عذاب النار ؛ أي: فقد صدقنا رسلك وأن لك جنة؛ ونارا؛ فقنا عذاب النار؛