وقوله - عز وجل - :
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ؛ فيها قولان : جائز أن تكون من صلة " الذين أوتوا الكتاب " ؛ والمعنى : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا " ؛ ويجوز أن يكون " من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم " ؛ ويكون " يحرفون " ؛ صفة؛ والموصوف محذوف؛ أنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في مثل هذا قول الشاعر :
[ ص: 58 ] وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
المعنى : منهما تارة أموت فيها؛ وقال بعض النحويين : المعنى : " من الذين هادوا من يحرفونه " ؛ فجعل " يحرفون " ؛ صلة " من " ؛ وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يحذف الموصول وتبقى صلته؛ وكذلك قول الشاعر :
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم
المعنى : ما في قومها أحد يفضلها؛ وزعم النحويون أن هذا إنما يجوز مع " من " ؛ و " في " ؛ وهو جائز إذا كان فيما بقي دليل على ما ألقي؛ لو قلت : " ما فيهم يقول ذاك " ؛ أو : " ما عندهم يقول ذاك " ؛ جازا جميعا جوازا واحدا؛ والمعنى : " ما عندهم أحد يقول ذاك " . وقوله - عز وجل - :
ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ؛ كانت اليهود - لعنت - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اسمع؛ وتقول في أنفسها : لا أسمعت؛ وقيل : " غير مسمع " : غير مجاب إلى ما تدعو إليه؛ وقوله :
وراعنا ؛ هذه كلمة كانت تجري بينهم على حد السخرى والهزؤ؛ وقال بعضهم : كانوا يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة؛ وقال بعضهم : كانوا يقولونها
[ ص: 59 ] كبرا؛ كأنهم يقولون : أرعنا سمعك؛ أي : اجعل كلامك لسمعنا مرعى؛ وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - صلوات الله عليهم -؛ إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام؛ وقوله :
ليا بألسنتهم ؛ أي : يفعلون ذلك معاندة للحق؛ وطغيانا في الدين؛ وأصل " ليا " : " لويا " ؛ ولكن الواو أدغمت في الياء؛ لسبقها بالسكون؛ وقوله :
فلا يؤمنون إلا قليلا ؛ أي : فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا؛ لا يجب به أن يسموا " المؤمنين " ؛ وقال بعضهم :
فلا يؤمنون إلا قليلا ؛ أي : إلا قليلا منهم؛ فإنهم آمنوا.