معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ؛ المعنى : ما كان لمؤمن البتة؛ و " إلا خطأ " ؛ استثناء ليس من الأول؛ المعنى : إلا أن يخطئ المؤمن؛ فكفارة خطئه ما ذكر بعد؛ وقال بعض أهل العلم : " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " ؛ على معنى أن دم المسلم إنما يصفح عن أن يؤخذ به القاتل في الخطإ؛ فقد عفي له عن قتل الخطإ؛ إلا أن الله - جل ثناؤه - فرض في كتابه على القاتل خطأ تحرير رقبة؛ ودية مسلمة إلى أولياء المقتول؛ وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطإ على العاقلة؛ وعلى القاتل أن يؤدي في ذلك؛ لقوله - عز وجل - : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ؛ ويحتمل أن يكون الصيام بدلا من الرقبة؛ وبدلا مما ينبغي أن يؤدى في الدية؛ فإن قتل المؤمن خطأ رجلا مؤمنا من قوم كفرة؛ فعليه تحرير رقبة؛ [ ص: 91 ] ولا مال للكفار الذين هم حرب؛ لأن الدية في الخطإ إنما جعلت - والله أعلم - ليحذر الناس حذرا شديدا من أن يخطئوا خطأ يؤدي إلى القتل؛ لتذهب الضغائن بينهم؛ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ؛ وإن كان من قوم بينهم وبين المسلمين عهد فتحرير رقبة؛ وتسليم الدية إلى ذوي الميثاق؛ لئلا تقع ضغينة بين أهل الميثاق؛ والمؤمنين؛ ونصب " توبة من الله " ؛ على جهة نصب " فعلت ذلك حذار الشر " ؛ المعنى : فعليه صيام شهرين؛ وعليه دية إذا وجد؛ توبة من الله ؛ أي : فعل ذلك توبة من الله؛ فأما قتل النفس فجزاؤه كما قال الله - عز وجل - : النفس بالنفس ؛ في الدنيا؛ وفي الآخرة جهنم؛ قال الله - جل وعز - : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ؛ وهذا وعيد شديد في القتل؛ حظر الله - عز وجل - به الدماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية