وقوله :
لا خير في كثير من نجواهم ؛ النجوى في الكلام : ما تنفرد به الجماعة؛ أو الاثنان؛ سرا كان؛ أو ظاهرا؛ ومعنى " نجوت الشيء " ؛ في اللغة : خلصته؛ وألقيته؛ يقال : " نجوت الجلد " ؛ إذا ألقيته عن البعير وغيره؛ قال الشاعر :
[ ص: 105 ] فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه
و " قد نجوت فلانا " ؛ إذا استنكهته؛ قال الشاعر :
نجوت مجالدا فوجدت منه ... كريح الكلب مات حديث عهد
و " نجوت الوبر " ؛ و " استنجيته " ؛ إذا خلصته؛ قال الشاعر :
فتبازت فتبازخت لها ... جلسة الأعسر يستنجي الوتر
وأصله كله من " النجوة " ؛ وهو ما ارتفع من الأرض؛ قال الشاعر :
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكن كمن يمشي بقرواح
[ ص: 106 ] ويقال : " ما أنجى فلان شيئا " ؛ و " ما نجا شيئا منذ أيام " ؛ أي : لم يدخل الغائط؛ والمعنى - والله أعلم - : " لا خير في كثير من نجواهم " ؛ أي : مما يدبرونه بينهم من الكلام؛
إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ؛ فيجوز أن يكون موضع " من " ؛ خفضا؛ المعنى : إلا في نجوى من صدقة؛ أو معروف؛ أو إصلاح بين الناس؛ ويجوز أن يكون - والله أعلم - استثناء ليس من الأول؛ ويكون موضعها نصبا؛ ويكون على معنى " لكن من أمر بصدقة أو معروف ففي نجواه خير " ؛ وأعلم الله - عز وجل - أن ذلك إنما ينفع من ابتغى به ما عند الله؛ فقال :
ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ؛ ومعنى " ابتغاء مرضاة الله " : طلب مرضاة الله؛ ونصب " ابتغاء مرضاة الله " ؛ لأنه مفعول له؛ المعنى : ومن يفعل ذلك لابتغاء مرضاة الله؛ وهو راجع إلى تأويل المصدر؛ كأنه قال : " ومن يبتغ ابتغاء مرضاة الله " ؛ ثم عاد الأمر إلى ذكر طعمة هذا؛ ومن أشبهه؛ فقال :