وقوله :
وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ؛
النشوز من بعل المرأة أن يسيء عشرتها؛ وأن يمنعها نفسه؛ ونفقته؛ والله - عز وجل - قال - في النساء - :
وعاشروهن بالمعروف ؛ وقال :
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقال :
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ؛ فشدد
[ ص: 116 ] الله في العدل في أمر النساء؛ فلو لم يعلم - عز وجل - أن رضا المرأة من زوجها بالإقامة على منعها - في كثير من الأوقات - نفسه؛ ومنعها بعض ما يحتاج إليه؛ لما جاز الإمساك إلا على غاية العدل؛ والمعروف؛ فجعل الله - عز وجل - الصلح جائزا بين الرجل وامرأته؛ إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليه؛ فقال لا إثم عليهما في أن يتصالحا بينهما صلحا؛ والصلح خير من الفرقة.
وقوله :
وأحضرت الأنفس الشح ؛ وهو أن المرأة تشح على مكانها من زوجها؛ والرجل يشح على المرأة بنفسه إن كان غيرها أحب إليه منها؛ وقوله :
وإن تحسنوا وتتقوا ؛ أي : إن تحسنوا إليهن؛ وتتحملوا عشرتهن؛
فإن الله كان بما تعملون خبيرا ؛ أي : يخبر ذلك؛ فيجازيكم عليه؛ فإن قال قائل : إنما قيل : " وإن امرأة خافت " ؛ ولم يقل : " وإن نشز رجل على المرأة " ؛ لأن الخائف للشيء ليس بمتيقن له؛ فالجواب في هذا : إن خافت الإقامة منه على النشوز والإعراض؛ وليس أن تخاف الإقامة إلا وقد بدا منه شيء؛ فأما التفرقة بين " إن " ؛ الجزاء؛ والفعل الماضي فجيد؛ ولكن إن وقعت التفرقة بين " إن " ؛ والفعل المستقبل؛ فذلك قبيح؛ إن قلت : " إن امرأة تخاف " ؛ فهو قبيح؛ لأن " إن " ؛ لا يفصل بينها وبين ما يجزم؛ وذلك في الشعر جائز في " إن " ؛ وغيرها؛ قال عدي بن زيد :
[ ص: 117 ] فمتى واغل ينبهم يحبو ... ه وتعطف عليه كأس الساقي
فأما الماضي فـ " إن " ؛ غير عاملة في لفظه؛ و " إن " ؛ أم حروف الجزم؛ فجاز أن تفرق بينها وبين الفعل؛ و " امرأة " ؛ ارتفعت بفعل مضمر يدل عليه ما بعد الاسم؛ المعنى : " إن خافت امرأة خافت " ؛ فأما غير " إن " ؛ فالفصل يقبح فيه مع الماضي؛ والمستقبل جميعا؛ لو قلت : " متى زيد جاءني أكرمته " ؛ كان قبيحا؛ ولو قلت : " إن الله أمكنني فعلت " ؛ كان حسنا جميلا.