[ ص: 139 ] ومن سورة " المائدة "
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله - جل وعز - :
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ؛ خاطب الله - جل وعز - جميع المؤمنين بالوفاء بالعقود التي عقدها الله عليهم؛ والعقود التي يعقدها بعضهم على بعض؛ على ما يوجبه الدين؛ فقال :
يا أيها الذين آمنوا ؛ أي : يا أيها الذين صدقوا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أوفوا بالعقود؛ و " العقود " : العهود؛ يقال : " وفيت بالعهد " ؛ و " أوفيت " ؛ و " العقود " ؛ واحدها " عقد " ؛ وهي أوكد العهود؛ يقال : " عهدت إلى فلان في كذا وكذا " ؛ تأويله : " ألزمته ذلك " ؛ فإنما قلت : " عاقدته " ؛ أو " عقدت عليه " ؛ فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق؛ وقال بعضهم : " أوفوا بالعقود " : أي : بما كان عقد بعضكم على بعض في الجاهلية؛ نحو الموالاة؛ ونحو قوله :
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ؛ والمواريث تنسخ العقود في باب المواريث؛ يقال : " عقدت الحبل؛ والعهد؛ فهو معقود " ؛ قال
الحطيئة :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
[ ص: 140 ] تأويله أنهم يوفون عهودهم بالوفاء بها؛ ويقال : " أعقدت العسل ونحوه؛ فهو معقد؛ وعقيد " ؛ وروى بعضهم : " عقدت العسل؛ والكلام؛ أعقدت " ؛ قال الشاعر :
وكأن ربا أو كحيلا معقدا ... حش الوقود به جوانب قمقم
وقوله - جل وعز - :
أحلت لكم بهيمة الأنعام ؛ قال بعضهم : " بهيمة الأنعام " : الظباء؛ والبقر الوحشية؛ والحمر الوحشية؛ و " الأنعام " ؛ في اللغة؛ تشتمل على الإبل؛ والبقر؛ والغنم؛ فالتأويل - والله أعلم - : أحلت لكم بهيمة الأنعام؛ أي : أحلت لكم الإبل؛ والبقر؛ والغنم؛ والوحش؛ والدليل على أن الأنعام مشتملة على ما وصفنا قوله - عز وجل - :
ومن الأنعام حمولة وفرشا ؛ فالحمولة : الإبل التي تحمل؛ والفرش : صغار الإبل؛ قال :
ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ؛ ثم قال :
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ؛ وهذا مردود على قوله :
[ ص: 141 ] وهو الذي أنشأ جنات معروشات ؛ وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا؛ ثم ذكر " ثمانية أزواج " ؛ بدلا من قوله :
ومن الأنعام حمولة وفرشا ؛ والسورة تدعى سورة " الأنعام " ؛ فبهيمة الأنعام هذه؛ وإنما قيل لها : " بهيمة الأنعام " ؛ لأن كل حي لا يميز فهو بهيمة؛ وإنما قيل له : " بهيمة " ؛ لأنه أبهم عن أن يميز؛ فأعلم الله - عز وجل - أن الذي أحل لنا مما أبهم هذه الأشياء.
وقوله :
إلا ما يتلى عليكم ؛ موضع " ما " ؛ نصب بـ " إلا " ؛ وتأويله : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم من الميتة؛ والدم؛ والموقوذة؛ والمتردية؛ والنطيحة؛
غير محلي الصيد ؛ أي : أحلت لكم هذه؛ لا محلين الصيد وأنتم حرم؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13676أبو الحسن الأخفش : انتصب " غير محلي الصيد " ؛ على قوله :
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ؛ كأنه قيل : " أوفوا بالعقود غير محلي الصيد " ؛ وقال بعضهم : يجوز أن تكون " ما " ؛ في موضع رفع؛ على أنه يذهب إلى أنه يجوز " جاء إخوتك إلا زيد " ؛ وهذا عند البصريين باطل؛ لأن المعنى عند هذا القائل : " جاء إخوتك وزيد " ؛ كأنه يعطف بها كما يعطف بـ " لا " ؛ ويجوز عند البصريين " جاء الرجال إلا زيد " ؛ على معنى " جاء الرجال غير زيد " ؛ على أن تكون صفة للنكرة؛ أو ما قارب النكرة من الأجناس؛ وقوله :
وأنتم حرم ؛ أي : محرمون؛ وأحد " الحرم " : " حرام " ؛ يقال : " رجل حرام " ؛ و " قوم حرم " ؛ قال الشاعر :
[ ص: 142 ] فقلت لها فيئي إليك فإنني ... حرام وإني بعد ذاك لبيب
؛ أي : ملب؛ وقوله :
إن الله يحكم ما يريد ؛ أي : الخلق له - عز وجل -؛ يحل منه ما يشاء؛ لمن يشاء؛ ويحرم ما يريد.