قوله :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؛ اختلف أهل العربية في تفسير رفع " الصابئون " ؛ فقال بعضهم : نصب " إن " ؛ ضعف؛ فنسق بـ " الصابئون " ؛ على " الذين " ؛ لأن الأصل فيهم الرفع؛ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ؛ وقال الفراء مثل ذلك؛ إلا أنه ذكر أن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " ؛ وعلى المضمر؛ يجوز : " إني وزيد قائمان " ؛ وأنه لا يجيز " إن زيدا وعمرو قائمان " ؛ وهذا التفسير إقدام عظيم على كتاب الله؛ وذلك أنهم زعموا أن نصب
[ ص: 193 ] " " إن " ؛ ضعيف؛ لأنها إنما تغير الاسم؛ ولا تغير الخبر؛ وهذا غلط؛ لأن " إن " ؛ عملت عملين؛ النصب؛ والرفع؛ وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع؛ لأن كل منصوب مشبه بالمفعول؛ والمفعول لا يكون بغير فاعل؛ إلا فيما لم يسم فاعله؛ وكيف يكون نصب " إن " ؛ ضعيفا؛ وهي تتخطى الظروف؛ فتنصب ما بعدها؛ نحو قوله :
إن فيها قوما جبارين ؛ ونصب إن من أقوى المنصوبات؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ؛ والخليل؛ وجميع البصريين : إن قوله :
والصابئون ؛ محمول على التأخير؛ ومرفوع بالابتداء؛ المعنى : " إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم والصابئون والنصارى كذلك أيضا " ؛ أي : " من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم " ؛ وأنشدوا في ذلك قول الشاعر :
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
المعنى : " وإلا فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق؛ وأنتم أيضا كذلك " ؛ وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن قوما من
العرب يغلطون فيقولون : " إنهم أجمعون ذاهبون " ؛ و " إنك وزيد ذاهبان " ؛ فجعل
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه هذا غلطا؛ وجعله كقول الشاعر :
[ ص: 194 ] بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فأما " من آمن بالله " ؛ وقد ذكر " الذين آمنوا " ؛ فإنما يعني " الذين آمنوا " ؛ ههنا : المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم؛ ودل على أن المعنى هنا ما تقدم من قوله :
لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ؛ ومعنى " الصابئ " : الخارج عن جملة الأديان؛ لأنهم لا يدينون بالكتب؛
والعرب تقول : " قد صبأ ناب البعير " ؛ و " صبأ سن الصبي " ؛ إذا خرج؛ فأما قولهم : " ضبأت " ؛ بالضاد المعجمة؛ فمعناه : اختبأت في الأرض؛ ومنه اشتق اسم " ضابئ " ؛ وقال الكسائي؛ " الصابئون نسق على ما في " هادوا " ؛ كأنه قال : " هادوا هم والصابئون " ؛ وهذا القول خطأ من جهتين؛ إحداهما أن الصابئ يشارك اليهودي في اليهودية؛ وإن ذكر أن " هادوا " ؛ في معنى تابوا فهذا خطأ في هذا الموضع أيضا؛ لأن معنى " الذين آمنوا " ؛ ههنا؛ إنما هو إيمان بأفواههم؛ لأنه يعنى به المنافقون؛ ألا ترى أنه قال : من آمن بالله؛ فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال : " إن آمنوا فلهم أجرهم " ؛