وقوله :
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؛ فالمسألة ههنا على وجه التوبيخ للذين ادعوا عليه؛ لأنهم مجمعون أنه صادق الخبر؛ وأنه لا يكذبهم؛ وهو الصادق عندهم؛ فذلك أوكد في الحجة عليهم؛ وأبلغ في توبيخهم؛ والتوبيخ؛ ضرب من العقوبة؛
قال سبحانك ؛ أي : براء أنت من السوء؛
ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ؛ وأما قوله :
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ؛ و " الغيوب " ؛ بالكسر؛ والضم؛ قال
أبو إسحاق : هذا موضع - أعني " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " - يلبس به أهل الإلحاد على من ضعف علمه باللغة؛ ولا تعلم حقيقة هذا إلا من اللغة؛ قال أهل اللغة : " النفس " ؛ في كلام
العرب ؛ تجرى على ضربين؛ أحدهما قولك : " خرجت نفس فلان " ؛ و " في نفس فلان أن يفعل كذا وكذا " ؛ والضرب الآخر : معنى " النفس " ؛ فيه؛ معنى جملة الشيء؛ ومعنى حقيقة الشيء؛ " قتل
[ ص: 223 ] فلان نفسه " ؛ و " أهلك فلان نفسه " ؛ فليس معناه أن الإهلاك وقع ببعضه؛ إنما الإهلاك وقع بذاته كلها؛ ووقع بحقيقته؛ ومعنى " تعلم ما في نفسي " : أي : " تعلم ما أضمره " ؛ " ولا أعلم ما في نفسك " : " لا أعلم ما في حقيقتك؛ وما عندي علمه " ؛ فالتأويل : إنك تعلم ما أعلم؛ ولا أعلم ما تعلم؛ ويدل عليه :
إنك أنت علام الغيوب ؛ فإنما هو راجع إلى الفائدة في المعلوم؛ والتوكيد أن الغيب لا يعلمه إلا الله - جل ثناؤه.